Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 28 سبتمبر, 2010

 

 

من ذا هناك ؟ مسافر مثلي

 

“من ذا هناك ؟ مسافر مثلي يعاني مثل حالي”

 بهذا البيت الواضح والبسيط اللفظ والعميق المعنى, بهذا البيت الذي يسأل به سؤال عميق في حيرة عارمة, بهذا البيت يوصف حالة نفسية مطربة, وروح مأزومة. يضعني البردوني في مواجهة مباشرة لأزمة الإنسان الباحث عن أمان في وطنه.  بل يلبسنا دثارا من مشاعره. ويجعلنا لا نستشعر حالته النفسية إنما نتقمصها تقمصا كاملا سابغا. فتنبض قلوبنا بقلبه  الخافق. وتلتهب شراييننا من حرقت دمه النازف. آآها.. لك يا صنعاء كم تمنيت أن  أكون طيرا سابحا بين  غيماتك  ومتضرجا بحمرة شفقك القاني. وأتنفس نسماتك الجبلية الباردة.  الخدِرة من رائحة واد اعشوشب بالكادي وتضوع الياسمين . كم تمنيت أن أتجول بين غرف وشرفات قصورك العتيقة. وأنظر لنقوشك  المستلهمة من روح المكان والطبيعة. والتي  تنبؤنا عن أناس كانوا هنا تحكي عبورهم ومسيرهم. وتخبرنا أنه قد كتب عليهم الترحال الأزلي عبر عصور البشر…

ترحال أفراد..رجال..نساء..شباب..شيوخ..فتيات..كهول..عبيد..أحرار وكذا قبائل بأكملها إلى كل صقع و فوق كل موجه, ترحال تحت النجوم تحت المطر و بحر وجُزر. إنه ترحال بكل ما تعنيه هذه الكلمة. وبكل نبر صوتي  حين نلفظها.( تاء راء حاء ألف لام ) كلها حروف حين نكتبها اشتملت على قاسم مشترك بين الحروف الأربعة هو حرف الألف, ويمتد مع صوتها الخارج من الأعماق مدى واسع شاسع يصطخب بالحكايات والقصص والآمال والآلام والفقر والغنى والفقد والأوّبة.

( ت ) ترك الأوطان ترك الأحبة.

( ر) إرواء من  ظمأ الحياة.

 ( ح) حنين.

( ا) آه حارقة آملة.

( ل) لا عودة لا رجعة.

 سابقا كنت قد قرأت أن فكرة المدن التجارية التي نسميها اليوم بمدن الأعمال ورأس المال,والأسواق المنخفضة أو معدومة الضرائب.  كالتي كتب عنها المؤرخون في أوروبا وكتب عنها شكسبير بعض مسرحياته. وأشهرها البندقية وجنوا هي فكرة يمنية صرفة. حيث كان التجار اليمنيون يفدون لقرى ساحلية فيقوموا بعقد اتفاقية مع الوالي المسلم, بأن يدفعوا له مبلغ ثابت بشرط أن يجعلهم يتحكمون داخليا في تلك الأرض. وتبقى تحت حكم الوالي المسلم ولا تنفصل عنه سياسيا. بالتالي يوكل لهم إدارة شؤونها التجارية والإدارية. ثم يبنوا رصيف الميناء والسوق والسور المحيط بهم. فتزدهر وتنمو الروابط التجارية  بفعل تردد السفن والقوافل  ذهاباً وإياباً يجلبون البضائع ويبادلونها. وبهذا يكونوا قد عرفوا المدن التجارية منذ القدم. وما ذاك إلا لأنه قد استقر في عقولهم وأثبتته تجارب ترحالهم نظرية اقتصادية تتردد اليوم بين أروقت الجامعات وتلوكها ألسنة الساسة والتجار في وقتنا الراهن.أن (رأس المال جبان) اليمنيون أدركوا أن رأس المال يهرب سريعا عن الأراضي المضطربة والمتنازع عليها. وهو جبان لا يستطيع توفير الحماية الذاتية لنفسه, لذا هو بحاجة لرعاية وحماية قوية يستظل المال بظلها.  أخيرا دافعي للكتابة عن صنعاء  ليس النسب فلست  من أهل اليمن بل إني شتات إنسان عربي قبض من تراب العرب ثم أتيت عربيا من صنعا  ومكة المكرمة  والمدينة  المنورة والقدس زهرة المدائن وبيروت ودمشق وبغداد وخليجي قاهري وخرطومي وجزائري ومن الدار البيضاء وتونس ومن كل شعب ووادي ورابية ورأس جبل وهضبة وبستان وصحراء ينطق أهلها بلسان عربي مبين.  و لتسمحوا لي بأن أجعلكم في مواجهة مباشرة مع الأعمى البردوني ذا الصور الدقيقة واللفتات الأنيقة. والنكهة الصنعانية العريقة. ولنأجل مناقشة الأبيات وتأويلها في التعليقات والآن لنفتش سويا على بيت القصيد.

 

مدينة بلا وجه

عبدالله البردوني / ديوان لعيني أم بلقيس

 

أتدرين يا صنعاء ماذا الذي يجري    تموتين في شعب يموت ولا يدري

تموتين .. ولكن كل يوم وبعدما    تموتين تستحين من موتك المزري

و يمتصك الطاعون لا تسألينه   إلى كم ..؟ فيستحلي المقام و يستشري

تموتين .. لكن في ترقب مولد    فتنسين أو ينساك ميعاده المغري

فهل تبحثين اليوم عن وجهك الذي    فقدتيه أو عن وجهك الآخر العصري

إلى أين هل تدرين من أين ..؟ ربما     طلعت بلا وجه وغبت بلا ظهر ؟

تسيرين من قبر لقبر لتبحثي    وراء سكون الدفن عن ضجة الحشر

أتستنشقين الفجر في ظلمة بلا    هدوء .. بلا نجم .. يدل على الفجر؟

خبا كل شيء فيك لا تسألينه    لماذا ..؟ ألا يعنيك شيء من الأمر

وحتى الروابي فيك باعت جباهها   وما عرفت ماذا تبيع وما تشري..!

وحتى عشايا الصيف فيك بلا رؤى    وحتى أزاهير الربيع بلا عطر

وحتى الدوالي فيك ضاع مصيفها    وحتى السواقي ضيعت منبع النهر

وحتى أغاني الحب مات حنينها    وحتى عيون الشعر فيك بلا شعر

أتدرين أن الشمس فوقك لا ترى    و أن لياليك المريضات لا تسري

سدى تنشدين الفجر في أي مطلع     وفي ناظريك الفجر أو ليلة القدر

يناير 1971م

 

صنعاني يبحث عن صنعاء

 

هذه العمارات العوالي ضيعن تجوالي .. مجالي

حولي كأضرحة مزورة بألوان الآلي

يلمحنني بنواظر الإسمنت من خلف التعالي

هذه العمارات الكبار الخرس ملأى كالخوالي

أدنو ولا يعرفني أبكي ولا يسألن : مالي؟

و أقول : من أين الطريق ؟ وهن أغبى من سؤالي

كانت لعمّي ها هنا دار تحيط بها الدوالي

فغدت عمارة تاجر هندي أبوه برتغالي

وهنا حصن تامر كان اسمه دار الشلالي

وهنا دار عمالة كان اسمها بيت العبالي

وهنا قصور أجانب غلف كتجّار الموالي

هل هذه صنعا..؟ مضت صنعا سوى كسر بوالي

خمس من السنوات أجلت وجهها الحرّ الأزالي *1

من أين يا إسمنت أمشي ؟ ضاعت الدنيا حيالي

بيت أبن أختي في معمّر*2 ؟ و يا بناتي يا عيالي

و إلى الفليحي*2 يا زجام .. ولا يعي أو لا يبالي

يالله يا أماه دليني ورقّت لابتهالي

قالت : إلى النهرين*2 .. قدامي و أمضي عن شمالي

و إلى القزالي*2 ثم أستهدي بصومعة قبالي

من يعرف .. النهرين ؟ من أين الطريق إلى القزالي

من ذا هناك ؟ مسافر مثلي يعاني مثل حالي

حشد من العجلات يلهث في السباق وفي التوالي

وهناك نصرانية كحصان مسعود الهلالي

هناك مرتزق بلا وجه .. على كتفيه آلي *3

اليوم صنعا وهي متخمة الديار بلا أهالي

ويحتلها السمسار , والغازي , ونصف رأس مالي

والسائح المشبوه , و الدّاعي , و أصناف الجوالي

كم ذا هنا ؟ صنعا مضت واحتلها كل انحلالي

أميّ ! أتلقين الغزاة بوجه مضياف مثالي؟

لم لا تعادين العدى ..؟ من لا يعادي لا يوالي

من لا يصارع .. لا نسائي الفؤاد .. ولا رجالي

إنّي أغالي في محبة موطني .. لم لا أغالي ؟

من أين أرجع .. أو أمر ..؟ هنا سأبحث عن مجالي

ستجد أيام بلا منفى وتشمس يا نضالي !

و أحب فجر ما يهل عليك من أدجى اللّيالي

3/5/ 1972م

*1 ازال: الاسم التاريخي لمدينة صنعاء .

*2 معمّر و الفليحي و النهرين والقزالي : من آحياء صنعاء القديمة .

*3 آلي : نوع من البندقيات .      

 

 

Read Full Post »

http://www.alriyadh.com/2010/09/09/article558407.html

Read Full Post »