Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 31 أكتوبر, 2009

دكان

 

دكان

 

 

  يلثم عكازي الشارع الذي هجرته منذ زمن , ويمشي أمامي  طفل  يرتدي  قميص فريق كرة لا أعرفه , وفي البعيد بنيات يتحلقن  حول لعبة الكترونية . من تحتي آثار مربعات فحم  تحجل فوقها ذكرياتي وأحلامي الغضة .

 سأكن طيار , شرطي , قبطان , سواق  شاحنة , تتلفت خطاي يمنة ويسرة باحثة عن دكان صباي الغض . تباً لتلك السنون التي  تحدب ظهري ,   وتثقلني بخارطة صماء يعلو رؤوس طرقاتها لافتات   باهتة باسماء  لا معنى لها ,  ويعبّدها غبار أيامي . أأضاعت خطاي  هدفي القديم ! , أم  دكاني  قد  أضاعني!.

عبرت  ملعب طفولتنا الترابي  , ما إن حاذيت المرمى بشاخصتيه الجبسية  حتى  بعث لعبي من مرقده . هنا كنت أهرول بفانيلتي الكتافي  متقلدا  أوسمة من عرق بارد , وتبتسم ركبتاي المدماة من بين شقوق  بنطالي  المهترئ , وتلعق الهواء بطن قدمي السوداء التي لم  تلوثها  بعد  دروب العمر الملتوية . أرى من  بعيد تلك  العتبات المثلمة  لدكان طفولتي. تتسارع ساقي تقترب  وتقترب مرتجفة , مرتعشة , فرحة , أقذف بعكازي  إلى الهواء كطائرتي الورقية الملونة , أعتلي العتبة الأولى , والثانية , والثالثة , أتشبث  كغريق  بمقبض  الباب الصدئ بيدي المتعرقة كلحاء شجرة معمرة .

 يندفع جسدي الخفيف للداخل , يخفق  قلبي  , يتسع مدى بصري, أهوي بين الكور  وتطوف فوقي كعصافيرهم  كلماتهم  مات .. مات , مات .. عمو العجوز.

Read Full Post »

حازوقه بالكاري

 

بينما كنت أقرأ كتاب ( ثقافة المقاومة لإدوارد سعيد) هجم  دافعا الباب ولكأنه سيقبض على مجرم في حالة تلبس لجرمه .

– أنا سأقفل هذه الصومعة التي تنزوي فيها  ؟ عندك حصة يا أستاذ هيا بسرعة.

– حصتي الثالثة .

– لا !! الثانية .

ثم تبعه المراقب الإداري للتنبيه مرة أخرى  . المهم ذهبت  لمقر الأمم العميانية  المتحدة . كانت أصواتهم تملأ الممر في اصطخاب وفوضى خلاقة . بصفتي شرطي العالم.

زأرت زأرتاً.. خمدوا . 

– درسنا اليوم عن العبادة .. خشع الجميع .  وابتدأت الدرس بقراءة لحوار مكتوب . مفاده أن ابن وأب يمشيان  على الشاطئ , فسأل الابن: لماذا خلقنا الله يا أبي ؟.

– خلقنا الله البحر فيه أسماك ونستخرج منه حلي .

– الكندي أستاذ في الحوار  هذا الابن يسأل لماذا خلقنا الله؟ والأب يجيب إجابة خاطئة  عن البحر. كيف هذا؟..

– ما يقوله  الكندي صحيح , ولكن ما الحل يا ماجد باعتبارك  طليعة جيش التعليم لابد علي الاستماتة في التبرير والترقيع ولكن هذا السؤال الكندي ضرب بشكل مباشر مركز القيادة التي وضعت وكتبت المنهج. كيف يوجه سؤال ثم يجاب عليه بإجابة مغايرة!. لملمت شتاتي وتنحنحت

– يا كندي أصبر حتى نكمل الحوار كاملا .

– الكندي بابتسامة الواثق  ننتظر لنرى .

ثم راح الحوار يتكلم عن  المخلوقات التي في البحر وفوائده  , والحلية التي نستخرجها منه.

 – هئ.. هئ  الهندي كيف نستخرج اللؤلؤ أستاذ ؟.

– أنتظر فسأجيبك . قلت يا ماجد لابد أن تقلب الطاولة على الكندي الذي يشكك في صياغة المناهج  وتذود عن وزارتك  المزودة بجيش عظيم عرمرم متخصصين في صياغة المناهج وفق عقول التلاميذ .

– يا اريتري ويا كندي ليكن بينكما  حوار عن المخلوقات التي خلقها الله.

– قال الكندي: الغابة . ثم دار الحوار بينهما ومعه تناما شعوري  بالغلبة .

– سأل الهندي  هئ.. هئ  : هل ممكن نأكل الحمامة أستاذ  ؟.

– نعم  أنا أكلتها يا بني وأكلت غزالا , لكن  نحن لا  نأكل الحيوانات المفترسة .  

ثم قصفتني القوات المشتركة متعددة الجنسيات بأسئلة هل يجوز أكل …؟ هل هو حرام ؟ وهل  حلال ؟. ما فائدة الغزال ؟…

 

 

 

 

 

  من زرع في عقول الصغار  التفكير بهذا الشكل وحصر عالمهم الطفولي بحلال وحرام !!!. تذكرت حديث بنت خالي الصغيرة: ماما أنا ما أبغى أروح  للجنة لأن فيها أنهار وأنا لا أعرف السباحة . قطع حبل أفكاري  قذيفة كندية ما معنى  المفترسة ؟ .

 – هي التي تأكل اللحوم .

 -الكندي أستاذ هل يمكننا أكل ما في البحر؟

– نعم .

– لكن الحوت الأزرق لسانه بوزن الفيل, وزعنفته بحجم الطائرة إنه يأكل اللحم وكيف نأكله!.

 ماجد هذا الكندي خرب عليك درس التوحيد. فقد قلبه بأسئلته من توحيد إلى علوم. ووزارتك من عشاق التخصص.  ولست معلم علوم.  إلا إني من المؤمنين بنظرية تداخل المعرفة ولا يمكن فصلها عن بعض . 

– أنقذني البدوي : يا أستاذ أنا أكلت قمري على طلعة وصدته بالنبيلة  .

– الهندي : كيف  اصطدته وأنت أعمى .

– البدوي تسلقت النخلة في الديرة وحملت الكيس  عن ابن  عمي  وفي الصباح شويناه ولم نطبخه على الجز . يقصد  الغاز . 

 فقفز الكندي متفاخرا  برحلت السفاري التي قام بها في كندا وأنه تجول بين الحيوانات بسيارتهم  .

– ودخلنا مبنى بسقف زجاجي والأسود في الأعلى ونحن من تحتها.  

قفز  اليمبعاوي: رحت حديقة الحيوانات بجدة وشفت فراشة , غنمه, كلب .   

البدوي : أنا رميت بسكوت العسكريم للفراشة

– هئ .. هئ .. هئ .

– بس يا هندي كف عن الشهيّقة  ريحة الكاري أعمتنا .

– أستاذ في الهند فيل كبييير.. هئ .. أشرب ماية علشان الحازوقة جتني؟.

– الكندي : أستاذ إيش يعني كلمة حازوقة ؟

– إيييييييييييه .. وغادرت القاعة التي كانت تستعر بمفاوضات حول حيوانات العالم  .

Read Full Post »

 

سبعة وثامنهم كلبهم

 

في أسبوعي المنصرم حضنت يدي  رواية  اسمها ساحرة  بورتوبيللو للروائي باولو كويليو .تعرضت للقضية الرقص كدين أو كطقوس  يمارسها بعض الأديان والطوائف .

حقيقة لم يعجبني الكتاب ولم ترضيني ترجمته . ولم يستطع أخراجي من دائرة الصمت  المتيبس  فوق شفتي  .

وحينما كنت البارحة أقلب بين أشرطة الكاسيت المسجل عليها كتبي المنتظرة أبحث بلهفه عن عمل أقرأه في  المدرسة. إني متعطشا  لعمل يرويني  يهزني  يسلبني يقصف كل  مكان أو خندق تختبئ فيه كلماتي وأفكاري . فاحترت بين  روايتين جاهلية ليلى الجهني أوألقيت السلاح امرأة تلقي السلاح  بعد أن شاركت في الحرب اللبنانية .

فآثرت الحرب على الحب حيث  مع شق الصباح  لخيوط ضوئه  سيغير العام الدراسي الجديد .

وأول ما فعلت في هذا  الموسم قمت بهجوم خاطف على جدول مواد لم أدرسها من قبل . غنيمتي كانت تتكون من سبعة تلاميذ .

يبدو أن الحرب العالمية الثالثة ستنشب وتقدح  شرارتها الأولى في فصلي هذا .

حيث يتكون من ألوان الطيف المتضادة .

ففيه الهندي والاريتري واليمني والبدوي والجيزاني  والكندي والينبعاوي. ويقف بينهم أعماهم الكبير الذي سيعلمهم السحر .

كل تلك الدول العمياء الصغيرة تعرفني وأعرفها جيداً إلا ذاك الكندي .

هو أعمى سعودي  يدرس والداه في كندا طب العيون .

الظريف فيه أنه لا يتقن  العربية جيداً فلجأت  لانتقاء كلمات واضحة الدلالة وقطعية  المفهوم .

وإن عجزت قد أسعفه بكلمة إنجليزية تقرب وجهات نظرنا لبعض .

المهم أني لم أذكر أصولهم من باب السخرية ولا من باب التنقص بل  لكي أوضح مدى الاختلاف في فصلي وكيف انهم سيشنون حربا علي من جبهات مختلفة دفعة واحدة .

و كعادة كل عام لم توزع الكتب مبكرا, عادي يمشي الحال نمضي الدرس  في الكتابة .

ولكن لم تصرف الآلآت ولا الأوراق .

أيضاً عادي فقد وظفوا معلم سوبرمان .

نمضي الدرس شفهي . ففكرت أن أورثهم قلق الأسئلة وهوس البحث عن منطقيات الأشياء فاقترحت عليهم أن  نتخيل قصة وكل واحد منكم يا أبنائي عليه أن يكون جملة تناسب التي قالها زميله وتفيد القصة . 

 

 

 

قال الكندي: في مدينتي تورنتو هناك مكتبة ترسل لي بالبريد القصص فأقرؤها ثم أعيدها لهم بالبريد . 

 – يا أحبابي من منكم سبق أن كتب قصة .

قفز الكندي مرة أخرى

 وقال : في مدرستي بتورنتو في نهاية كل عام نطالب بكتابة قصة وتشارك في مسابقة والجوائز لعبة, قبعة, قفاز يد . في مرة  طلبت منا المعلمة كتابة  قصة نذكر فيها مئة شيء .

– مسكين الكندي هذه مقارنه بين  المستحيلات .

– يا أولادي من سبق له أن كتب قصة ؟.

قال الاريتري : أنا قرأت سبعة قصص كتبتها لي أمي ببرايل .

– وأنا يا أستاذ أملي على أمي قصة من خيالي وهي تكتبها بقلمها المبصر .

قفز آخر: يا  أستاذ  معقمي خلص .

وزعت عليهم معقم .  ثم ذهبت ناحية الباب كي أتأكد أفعلاً نفذ سائل التعقيم !! وهناك بحثت جيداً ولم أعثر على علبة المعقم المثبتة على الجدار بل أني لم أعثر على أي أثر لخرم مسمار . فقفزت علامة استفهام كبيرة أمامي .

من الثابت علميا أن الأطفال المعاقين أقل مناعة وأكثر عرضة للأمراض . ولذا يتعين على الإدارة أن تضع معقم يدين هنا .

أم انهم  عمي لا يرون المعقمات التي تقف على أبواب فصول المبصرين كحراس  الكومندوز الأشداء؟؟؟ . أجبت علامة الاستفهام الوقحة لكن الإدارة السخية جزاها الله خيراً ستصرف  لكل تلميذ أعمى كل يوم  كيسان صغيران يستخدمهما مرتان فقط وبقية اليوم يعقم بالبركة .  تركت علامة  الاستفهام تثرثر والتفت لقصة  فراخي العمي الصغار .

 شرع الكندي فقال : كان يا مكان في قديم الزمان كان فيه…

ثم  الاريتري : فتاة تسبح في البحر.

 ثم الجيزاني: اسمها ليلى .

ثم الهندي:  الدلافين تساعدها وتلعب معها .

الينبعاوي : صادقت دلفين غريب .

 اليمني : ممما ما أعرف ؟

قال الكندي: لماذا الدلفين غريب ؟.

 اليمني: كبير الحجم .

الكندي : أقول لك لماذا غريب  يمكن عشان يتكلم !!.

 المعلم السوبرمان : أحسنت فدلفين يتكلم مع فتاة شيء غريب مخالف عن ما تعودنا عليه ومن المعروف أن الدلفين قد يكون كبير, ولكن لا نعرف دلفين يتكلم؟ أكمل يا بدوي .

 

 

 

 فكر وقدر ثم قال: قال لها من أنتي ولماذا تسبحين ؟.

نهض الأريتري: اسمي ليلى وأحب السباحة وأريد أن أتعلمها .

 قال الجيزاني : أيش أسمك يا دلفين ؟.

قال الهندي: اسمي نميرة .

 اعترض الكندي: كيف  الدلفين !! اسم الدلفين نميرة ونميرة اسم بنت ؟

– مشيها يا كندي  فأنت لم تستعمر الهند حتى تعترض عليه , كذلك مدينتك تورينتو تتكلم لغتان الإنجليزية والفرنسية .

قال الينبعاوي : تعالي لنسبح معاً. أتعلمين السباحة ؟.   دورك يا بدوي .

– فكر أاااااا مااااا ما أبغى أكمل  خلي القصة بكرى يا أستاذ .

 قال الاريتري : ولعبوا مع بعضهم .

 قال الكندي : ثم صياد صاد الدلفين .

دورك يا هندي : ولعبت ليلى مع  الدلافين الثانية .

قال الكندي : كيف !. فالصياد صاد نميرة !!.

تدخلت لفض النزاع وحماية الضعيف . يا هندي  ليلى  لا تعرف السباحة  ونميرة قد صادها الصياد كيف تخيل الوضع ؟؟.

قال الهندي : ثم طاحت بالبحر .

– هههه تقصد غرقت قالها الكندي .

– يا أستاذ حر جداً متى تعود  الكهرباء !!!.

Read Full Post »

أنثى خُضَبَا

 

أنثى خُضَبَا

 

حين أخلد لفراشي أُدخل معي ديوان للشعر أتناول منه قصيدة أو إثنتان  كمحسن للأحلام وطارد للكوابيس .   وذاك لأن كلا من  الشعر والحلم هما القادران على التحرر من أغلال الزمن والتحليق في سماء الخيال المنبعث من خفقات الروح المتأملة .

 وفي ليلة قريبة شرعت  في كتاب حديث اسمه ( كتاب الحب وحروف العشق من إبداعات نزار قباني جمع هيفرون حريري ).  

            ومرّت على لين الوسادة صورتي

                     تخضّبها دمعاً وتغرقها شجوا . 

على أعتاب هذا البيت  أقف متأملاً ومختزلاً دفعة واحدة  نوافذه وردهاته أسائل نفسي  ماذا يمكنه فعل بيت واحد ينزوي وسط أبيات قصيدة.

 ما معنى شجوا ؟ ولماذا استخدم تخضّبها ؟ .

الخضب هو الصبغ بالحناء , وشجوا الحزن وصوت شجي صوت عذب وغناء  طروب , وشج أي جرح .

من هنا ابتعدت دفعة واحدة عن واقعي وفقدت جاذبية الزمان والمكان  .

 ومرّت على لين الوسادة صورتي ……

  يخبرنا فيه المحبوب  عن  العبور اللطيف لصورته  على لين الوسادة التي  ترسم فوقها  ريشة   العشق  الحالمة  عالمها الشفيف .

هنا توقعت أن الشطر الثاني سيستمر في الحديث  عن نفسه . ولكنه  نقل المشهد لمكان آخر محبوبته الساهرة الأرقة .

                   و مرّت على لين الوسادة صورتي  

                           تخضّبها دمعاً وتغرقها شجوا .  

بيت أفزع طائر النوم وراح يرف  بجناحيه العريضين ناحية الشرق البعيد  . 

و ينبش ليلي الأرق مفتشاً في وسادة تفكيري ….

الأول بعد أن  ترآى للمحبوبة صورة حبيبها على وسادتها نقشتها بدموعها  نقشاً عشوائي  لكنه   مثير كنقش الحناء على راحة الكف .

والثاني  بما أن هذا الدمع ليس دمع عادي بل إنه دمع الذكريات النابع من  حمرة القلب فإنه تغير صفة  لونه  من مائي   شفاف لامع  إلى أحمر حنائي . 

والثالث هو كما أن المحبوبة غارقة في الحب هي قادرة على إغراق  أي شيء يعبر  فوقه صورة حبيبها .

والرابع  تغرقها شجوا تغرقها أغراقاً أليماً  ليس بالدمع  الحنائي الأحمر وحسب بل  حزناً وشوقا ولهفة وبكائاً شجياً يشج الروح  والقلب .

 يا الله كم من  الساهرين الآن .

كم في حيّنا , وكم في مدننا , وكم في عالمنا من وجهين بائسين حالمين  

 

 

يترآى  كل منهما  للآخر , وجهان ينتظران  لحظة معجزة  تنقلب فيها الصورة لحقيقة يتلمسها كل منهما  بأنامله.  ولكن يحول بينهما ما يحول من قدر صارم  أو جفوة قلب  .

من كتاب نزار قباني ( كتاب الحب وحروف العشق)

قصيدة / أُكتبي لي

 

إليّ أكتبي ما شئت .. أني أحبُّهُ

و أتلوه شعراً .. ذلك الأدب الحُلْوا

و ممتص أهدابي انحناءات ريشة

نسائية الرعشات .. ناعمة النجوى

عليّ اقصصي أنباءَ نفسك .. و ابعثي

بشكواكِ .. من مثلي يشاركك الشكوى؟

لَتُفرحني تلك الوريقات حُبِّرتْ

كما تُفرح الطفل الألاعيب و الحلوى

وما كان يأتي الصبر.. لولا صحائف

تُسلّم لي سرَّا .. فتلهمني السلوى

أحنُّ إلى الخط المليس .. ورقعة

تَطاير كالنجمات أحرفها النشوى

أُحسك ما بين السطور ضحوكةً

تحدّثني عيناك في رقةٍ قصوى

تغلغلت في بال الحروف مشاتلاً

و صوتاً حريريَّ الصدى , وادعاً حُلْوا

رسائلك الخضراءُ .. تحيا بمكتبي

مساكبَ وردٍ تنشر الخيرَ و الصحوا

زرعت جواريري شذاً و براعماً

و أجريت في أخشابها الماء و السَروا ..

إليَّ أكتبي إما وُجِدتِ و حيدةً

تدغدغُكِ الأحلام في ذلك المأوى

و مرّت على لين الوسادة صورتي

تخضّبها دمعاً .. و تُغرقُها شجوا

وما بك ترتابين هل من غضاضةٍ

إذا كتبتْ أختُ الهوى للذي تهوى ؟

ثقي بالشذا يجري بشَعْرِكِ أْنُهرا

رسائلك النعماء في أضلعي تُطوى

فلست أنا من يستغلُّ صبيةً

ليجعلها في الناس أقصوصةً تُروى

فما زال عندي .. رغم كلّ سوابقي ..

بقية أخلاقٍ .. وشيءٌ من التقوى

                                                               ***********

Read Full Post »

 

الثالوث

( قراءة في رواية السيد إبراهيم و أزهار القرآن . نشرة في جريدة الاقتصادية )

 

 

من النادر تقرأ عمل يتسم  بحيادية مطلقة ولكن  رواية السيد إبراهيم وأزهار القرآن للكاتب إرك إشليدوت اقتربت من المطلق بتلمس القواسم المشتركة بين الديانة اليهودية والمسيحية  والإسلام.  

ولم يتكئ العمل  على الأسلوب الفخم والرصين  والحبكة الروائية المتقنة  وإنما  قوة العمل تستند على  لعبة التناقض  المولدة للأفكار المعمقة فتوليفة  المكان والزمان والشخصيات إذ تتفاعل لتوصلك لحالة وعي  إبداعي ساحر .

 ولنبدأ من  مكان  الرواية باريس  بالشارع الأزرق ذا  الغالبية اليهودية ولا  يوجد  بالشارع الأزرق إلا  بقاله وحيدة يملكها إبراهيم المسلم المهاجر من الهلال الذهبي  . ويضاف لذلك دقة  اختيار  زمن العمل ستينيات القرن المنصرم  والتي كانت تعج بالصراعات العالمية  .

ما يعنينا هنا  أن التناقض المولد للأفكار لا يقتصر على الزمن والمكان بل يطال  أشكال  العلاقات بين أبطال العمل  وكيف تنظر لذاتها وللمحيطين بها .

 فالأب  اليهودي المحامي الفاشل يتصور أن  المال  وجد لا ليصرف بل ليدخر يعتقد اليهودية هي أن تتذكر الآلام  وإيمانه بأن الأشياء لها معاني خفيه صعب و عسير.  وانتهاء به الأمر  بإلقاء نفسه تحت القطار  ثم تأتي شخصية الزوجة  التي لم تستطع الاستمرار مع البخيل لتهجر ولدها وزوجها وتختفي ثم يعاودها حنين الأمومة فتبحث عن موسى ابنها  وتجده في نفس البيت الذي تركته فعرفها ولكن لم يفصح لها عن شخصيته الحقيقية.

ويوصلك منطقية العمل بسلاسة للابن  موسى الشاب اليهودي ضحية  الأب البخيل والذي يعامله بصلف  ما دفع موسى  لاتخاذ ردة فعل عكسية ممزوجة بالكراهية والسلوك السلبي فيكرس جهده لتوفير  المال  فيشتر للمنزل  أطعمة رديئة ويسرق من  البقال وأبيه ثم  يسرفها في ملذاته. موسى حائر  يتساءل  ما  الدافع  لابتعاد المحيطين عنه   وأول من هجره أمه حين ولدته وهجره أباه عند ما  بلغ. دائم الحزن يرى أن الفرح والابتسام  لا يقدر عليه إلا الأغنياء وينظر للعالم  بعيني أبيه. وما يلبث هذا البائس حتى يتبدل   يتنكر لشخصيته القديمة ويبدل اسمه لمحمد

ويصبح البقال  العربي المحلي الذي يفتح من الثامنة صباحا إلى ما  بعد منتصف الليل وحتى  أيام الأحد  .  ونتاجا لتفاعل الشخصيات الثلاثة السابقة  ننجرف ناحية النقيض تماما هذه  الأسرة   اليهودية ,  إبراهيم  المسلم المقبل على الحياة المتفائل السخي الوفي لزوجته المتوفاة    هذه المثالية  لكي تصبح مقنعة  تقترب من الواقعية فالسيد إبراهيم له نزوات وشهوات  فهو غير متقيد بتعليم الدين حرفيا, 

 

 

 

 

السيد إبراهيم  يملك  القدرة   في بناء ومد جسور  العلاقات  مع الشخصيات والتدرج في  طرح الأفكار الفلسفية بهذه التركيبة المتكاملة  كان السيد إبراهيم  مقنعا لي كقارء  ولموسى كطرف من أطراف العمل  . يا موسى بالابتسامة تستطيع أن تغير الكثير والابتسامة هي التي تجعلك سعيد وتملكك سلاح قوي لا يقاوم .

يا موسى الجمال من حولنا فثمة تولي تجد الجمال إما في الطبيعة أو الروح أو التناسق والتناغم الهرمنية مع الكون  .

وفي روح العطاء فما تمنحه يبقى للأبد وما تمنعه تفقده للأبد ودع قلبك الطائر يحلق ويتحرر من قفص الجسد ويحيم ليلتقط المعاني والأسرار والكشوف .يا موسى  المساجد تفوح برائحة الأجساد المحلقة في السمو هناك  نشعر بذواتنا وذوات الآخرين نتحول لذرة من ذرات الكون تتوحد وتتلألأ   في قبة السماء وتدور مع الأرض  .

والعمل مرصعا موشح  بالرمزية فما  الأسماء الثلاثة  موسى الحامل للصفات العرق اليهودي  وإبراهيم الأب  وابنه  محمد الوارث للقرآن  والبقالة  التي قد تشير  في ظني  الأرض المقدسة فلسطين والت لم تذكر لا من قريب ولا من بعيد

 رمزية  بيت اليهودي شحيح الإنارة  مظلم وشبابيكه مغلقة وستائره الغامقة ورائحة  أثاثه البالي  التي تشبه السجاد القديم وبمجرد أن آل  لموسى  أعلن خروجه  من تحت عباءة أبيه  على الفور  قام ببيع الكتب وفتح الشبابيك للنور وطلى المنزل بطلاء جديد وفاجأ أمه بأنه لا ينتمي لهذا البيت ثم قام بالسفر مع السيد إبراهيم لإسطنبول وكيف كانت شبابيك السيارة مشرعة للهواء  طوال الطريق  غريبة هذا الرمز الشباك والذي أن أقفل يظلم كل ما في الداخل وإن فتحت على مصراعيها دخل النور والهواء النقي فيتغلغل في كل شيء , وأخيرا نصل  لرائحة الديانات  النفاذة  التي تعبق  فالبخور والشموع  بالكنائس والأجساد المتعبدة  بالمساجد  تثير أدخنة سؤال  هل التسامح بين الأديان ممكن  ؟ سؤال يبقى مفتوح بحجم ما بين  دفتي كتاب التاريخ

 

 

Read Full Post »