دكان
يلثم عكازي الشارع الذي هجرته منذ زمن , ويمشي أمامي طفل يرتدي قميص فريق كرة لا أعرفه , وفي البعيد بنيات يتحلقن حول لعبة الكترونية . من تحتي آثار مربعات فحم تحجل فوقها ذكرياتي وأحلامي الغضة .
سأكن طيار , شرطي , قبطان , سواق شاحنة , تتلفت خطاي يمنة ويسرة باحثة عن دكان صباي الغض . تباً لتلك السنون التي تحدب ظهري , وتثقلني بخارطة صماء يعلو رؤوس طرقاتها لافتات باهتة باسماء لا معنى لها , ويعبّدها غبار أيامي . أأضاعت خطاي هدفي القديم ! , أم دكاني قد أضاعني!.
عبرت ملعب طفولتنا الترابي , ما إن حاذيت المرمى بشاخصتيه الجبسية حتى بعث لعبي من مرقده . هنا كنت أهرول بفانيلتي الكتافي متقلدا أوسمة من عرق بارد , وتبتسم ركبتاي المدماة من بين شقوق بنطالي المهترئ , وتلعق الهواء بطن قدمي السوداء التي لم تلوثها بعد دروب العمر الملتوية . أرى من بعيد تلك العتبات المثلمة لدكان طفولتي. تتسارع ساقي تقترب وتقترب مرتجفة , مرتعشة , فرحة , أقذف بعكازي إلى الهواء كطائرتي الورقية الملونة , أعتلي العتبة الأولى , والثانية , والثالثة , أتشبث كغريق بمقبض الباب الصدئ بيدي المتعرقة كلحاء شجرة معمرة .
يندفع جسدي الخفيف للداخل , يخفق قلبي , يتسع مدى بصري, أهوي بين الكور وتطوف فوقي كعصافيرهم كلماتهم مات .. مات , مات .. عمو العجوز.
أحدهم نصحني..
أن لاتعود إلى مكان أحببته وهجرته..
احتفظ بتلك الذكريات الجميلة..وكفى!
لأننا عندما نعود..نعود نحن..بينما الأيام لاتعود!
ونصدم!
ونفقد بعد ذلك متعة الحنين!
..أغبطك على أسلوبك وقدرتك على الاسترسال بعذوبة..حتى نتمنى لو انك اطلت!
بوح الطفولة برغمه مؤلم إلا إنه يرسم إبتسامة هشة على تقاطيعنا التي أرهقتها الحياة وسلبت منها أياماً وسعادة بعمرها..!
نتلقى صفعات من الماضي برغم يقيننا ونحن نعود إليه بأننا سنجد كل شي مختلف على وجوه البشر سنجد تجاعيد العمر قد أعادتها للخلف وجعلتها تتوسد الحنين للماضي الذي لن يعود ولن نسمح له بأن يغادرنا دون أن يمنحنا بعض الإشتياق ذا المذاق المر…
أحببت ما قرأته هُنا كثيراً أيها الضوء!
تحايا
الحنين ثم الحنين والحنين !!!؟؟؟.
لأننا عندما نعود نؤوب بنحن المترعة بالحنين . عندما نعود يملؤنا شعور بريبة وخوف وشك بأنا قد لا نجد سوى النسيان ودورة الحياة اللا مبالية . فيشظي قلبنا تنازع بين أنا الماضي وأنا العائد , أنا الحالمة المتطلعة التي عاشت الحدث , وأنا العائدة من منفاها تبحث عن آثار حلم لم تلده بل ولدته الأخرى الأنا الحالمة في الزمن المهترئ ..
لذا فإن الحنين يوقفني على حافة شفير عميق وأراني وأنا تتقاذفني أذرع الحياة كأخطبوط مسعور , تتقافز مشاعري وآمالي وخيباتي ما بين الماضي والحاضر, والمستقبل وبين الذكرى العابرة , ونعيم اللحظة والحلم الضبابي . هذه هي عناصر المعادلة الصعبة بين العمر والحنين والذكرى . كل الشكر لعمق تعليقك أختي غربة الكريمة دمتي مطمئنة .
اخي الكريم ماجد
العوده الى مرحله من مراحل حياتنا وتذكر الاشخاص والاماكن جميل جداً
واحبه واشعر انِ عدت سنوات للماضي
احب الذكريات اذا كانت سعيده واحفظ لها مكانه شاسعه في عقلي وقلبي
اما اذا كانت تعيسه فاحذفها اول باول لارتاح .
جميل سردك لطالما جعلتنا نعيش الاحداث معاك
دمت بخير .
مرحبا أختي مريم النقيب . المفارقة العجيبة أننا حين نكون صغار تتطلع أحلامنا الصغيرة لليوم الذي نكبر ونقف بقامتنا المكتملة النمو بين صف الكبار .وإذا كبرنا وشبينا عن الطوق نتحسر ويملأنا شعور بالحنين . ممتن لتعليقك
الماضي وذكرياته, بالنسبة لي ظلام دامس لا اذكر منه الكثير, حتى حين يذكرني احد بلحظة عشناها سويا بالماضي فاني لا اذكر شئ,
لا اعرف سبب نسيان الماضي الذي يعتريني, اهي محاولة مني للعيش بسلام في الحاضر, ام بالفعل دخلت سن الشيخوخة مبكرا,
قصة رائعة استاذ ماجد, سررت بقراءتها في صباحي هذا,
مرحبا بك أختي الكريمة بوح القلم . من أروع ما سمعته عن الذكريات هو قول الشيخ الأديب الأريب علي الطنطاوي رحمه الله رحمة واسعة فيقول في ما معناه : الحياة هي الذكريات . وكل الذكريات زائلة عابرة ولا يبقى سوى الشيء الباقي وهو عبادة الله وزرع الآخرة وما استودعناه عند الله سبحانه . دام الإيمان الطاهر لبوس قلبك .
جميل ما نثر هناااا
لوحة الوانها بتنسيق نسمات الصباح الباردة
وصورة الموت اجمل ما فيهاااا
( عمو العجوز قد مات )
النهاية لكل شيء جميل
لانها ستبقى ذكرى ايضا”
في اذهان البعض قبل ان يدركهم قطار النسيان
استمتعت ….
ولم استطع الوصف اكثر
فقد شغلتني ذكرى ايضا”
شكرا لك
صباح الخير أختي علياء قد يكون تعليقي طويل بعض الشيء لكن لأهمية الحاضر ولما أراه فيه فقد أتت هذه الأسطر .
الزمن وثلاثية قواه . ماضي وحاضر ومستقبل . نقف نحن في مواجهة قوته الثلاثية . فإما نغرق بذكرى الزمن الماضي حتى أننا لا نشعر بيومنا الحاضر ولا يبين لنا أفق بالمستقبل.
والقوة الثانية هي أننا نتطلع بأعين ضبابية حالمة قلقة بشأن الغد . أرقة تتطلع لكشف المستور وحجب الغيب . ولهذا فإنه تشترك مع الماضي في إهمال الحاضر .
والثالث هو الحاضر الذي غنمناه واللحظة التي نحياها ونراها أمامنا ونشعر بها وندركها ونملكها . السعيد بظني من يملك حاضره ويغنم لحظته ولا يغرق في الذكرى العابرة أو الأرق لغد لم يأتي . هذه بعض الأبيات التي توضح مفهوم الحاضر وكيف نحيا . يقول عمر الخيام في رباعيته مع تحفظي الشديد على قصيدته الخارجة عن العقيدة :
و انشق عبير العيش في فجره
فليس يزهو الورد بعد الذبول
__________________________________
***
عامل كأهليك الغريب الوفي
واقطع من الأهل الذي لا يفي
و عف زلالا ليس فيه الشفا
واشرب زعاف السم لو تشتفي
***
أحسن الى الأعداء و الأصدقاء
فإنما إنس القلوب الصفاء
و اغفر لأصحابك زلاتهم
وسامح الأعداء تمح العداء
***
عاشر من الناس كبار العقول
وجانب الجهال أهل الفضول
واشرب نقيع السم من عاقل
واسكب على الأرض دواء الجهول
___________________________________
زخارف الدنيا أساس الألم
وطالب الدنيا نديم الندم
فكن خلي البال من أمرها
فكل ما فيها شقاء وهم
***
و أسعد الخلق قليل الفضول
من يهجر الناس ويرضى القليل
كأنه عنقاء عند السهى
لا بومة تنعب بين الطلول
***
من يحسب المال أحب المنى
و يزرع الأرض يريد الغنى
يفارق الدنيا ولم يختبر
في كده أحوال هذي الدنى
____________________
إن لم أكن أخلصت في طاعتك
فإنني أطمع في رحمتك
و إنما يشفع لي أنني
قد عشت لا أشرك في وحدتك
***
يا رب هيئ سبب الرزق لي
ولا تذقني منة المفضل
وأبقني نشوان كيما أرى
روحي نجت من دائها المعضل
***
أفنيت عمري في ارتقاب المنى
ولم أذق في العيش طعم الهنا
وإنني أشفق أن ينقضي
عمري وما فارقت هذا العنا
***
لم يبرح الداء فؤادي العليل
ولم أنل قصدي وحان الرحيل
وفات عمري وأنا جاهل
كتاب هذا الدهر جم الفصول
***
صفا لك اليوم ورقّ النسيم
وجال في الأزهار دمع الغيوم
ورجّع البلبل ألحانه
يقول هيا اطرب وخل الهموم
***
الدرع لا تمنع سهم الأجل
والمال لا يدفعه إن نزل
وكل ما في عيشنا زائل
لا شيء يبقى غير طيب العمل
***
الله يدري كل ما تضمر
يعلم ما تخفي وما تظهر
وإن خدعت الناس لم تستطع
خداع من يطوي ومن ينشر
_______________________
إن الذي تأنس فيه الوفاء
لا يحفظ الود وعهد الإخاء
فعاشر الناس على ريبة
منهم ولا تكثر من الأصدقاء
***
زاد الندى في الزهر حتى غدا
منحنيا من حمل قطر الندى
والكُم قد جمع أوراقه
فظلّ في زهر الرّبى سيدا
***
وأسعد الخلق الذي يرزق
وبابه دون الورى مغلق
لا سيدٌ فيهم ولا خادم
لهم ولكن وادع مطلق
__________________________
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذّاته
فليس في طبع الليالي الأمان
___________________________-
لا توحش النفس بخوف الظنون
وأغنم من الحاضر أمن اليقين
فقد تساوى في الثرى راحل
غدا وماض من ألوف السنين
___________________________
مرحبا حيران “لأنها ستبقى ذكرى أيضا في أذهان البعض قبل أن يدركهم قطار النسيان ” ما أسعدني بالتفاتتك المغايرة . كنت دائما حين أكتب وجهت نظري في نص كنت أتساأل بعين القارء هل من الممكن أن يكتب شخص ما ثم يأتي قارء ويقدم تفسيرات والاتقطات لم يكن ليدرك عمقها صاحب النص ؟. . لعل من الأسباب هو أن النص لا يعد حالة ابداعية للكاتب فقط كما يشاع بل إن النص هو حالة ابداعي مشتركة بين الكاتب بصفته منشئ للشرارة والقارء باعتباره متفاعل مع النص وليس باعتباره متلقي صامت . كل الامتنان حيران