إنعاش ذاكرة و ولادة نسيان
ماذا يعني لك حين تستيقظ من نومك بذاكرة نظيفة لا شية فيها! أيعني لك أنك خسرت كثيرا أم ولدت من جديد! بالأمس استيقظت ظهرا من نومي ولما أردت فتح هاتفي لم يستيقظ معي لعله قد فارق الحياة !؟. ثم حاولت أن أجري له إسعافات أولية لا فائدة فالغيبوبة تحاصره وتخرس لسانه عن الثرثرة لصاحبه الأعمى. هاتفي جهاز نوكيا قديم مزود ببرنامج ناطق سرقته من النت بعد أن سرقتني واستغلت شركة البرنامج الناطق أربع مئة دولار أمريكي ورفضت أن تمنحني نسخة ثانية. هاتفي يثرثر علي أسماء الرفاق ورسائلهم ,همومهم, أحزانهم, نكاتهم, أخبارهم, نزواتهم, جدهم وهزلهم.أحلامهم, خيباتهم, فرحهم, خذلانهم, حبهم, كرههم, ثوراتهم وفوراتهم, سكناتهم, وهمساتهم . قراءاتهم وكتبهم ومقالاتهم ومشاريعهم و انبهارهم بنص, وهربهم واحتمائهم ببيت شعر إلخ .. هاتفي الناطق أذنا أنصت عبرها للحياة. لن أقول خسرت أرقامهم لأني بالتأكيد أنا حاضر في حيواتهم. لكني حزين على أرقام بالغت الثلاث مئة رقم تقريبا جمعني مع كل رقم ذكرى حلوة أو تعيسة أو موقف حدث و قصة حكاية عبرت جانبا من عمري. ربما أنا اليوم بذاكرة نظيفة أجمل ما بها أني تخلصت من أرقام أيقنت أنها وهم كان يكبلني. حزين على أرقام سعيت باحثا عنها. كرقم دكتور درسني بالجامعة انقطعت أخبارنا عن بعض قرابة ثمانية سنون ثم ذات صباح امتشقت عصاي البيضاء وانتشلني الحنين , اقتحمت مبنى الكلية عليّ أعثر عليه صدفة بإحدى الممرات. توجهت لمكتبه الذي أذكره فوجدته تغير ذهبت لمكتب رئيس القسم فوجدته أيضاً تغير. خمنت.. فكرت أين يمكن أن يقع مكتبه الجديد؟ ذهبت لمكتب صديق له بنفس القسم فوجدت الأستاذ قد ترك العمل بالجامعة ليعار خرجها بكندا. فكرت وحدست أنه بالتأكيد سيكون بآخر الممر قرب مكتبه القديم أين سيذهب!؟ . وقفت بنهاية الممر ومن حولي قرابة الخمسة أو الستة أبواب والثرثرات والضحكات والنقاشات المكتومة المحتبسة ترشح من بين فتحاتها. سمعت صوت أعرفه جيدا توجهت للباب إنه صوت دكتور آخر نفس المكتب لم يتغير نفس الصوت واللهجة السودانية المرحة. طرقت الباب ودخلت. كيف حالك دكتور. يااااه .. أهلين ماجد وينك ما شفناك من زمااان. ثرثرنا على الواقف . ثم خرجت وعدت للوقوف بالممر الطويل. كان هناك طلبة بكلوريوس يتناقشون, حاولت أن أتذكر عن أي مادة يتحدثون؟ استوقفت آخر قلت له أهذه غرفة الدكتور فلان؟ دلني عليها. وأنا أقبل على الباب الذي وشوش لي بصوت دكتوري الهادئ العميق المتأمل بعيد المدى. صوته يرحل بك لعوالم لا منتهى لها. يبحر بك بزورق صغير وشراع مقوس منتفخ بالأسئلة. يغوص معك لقاع غاية في الفتنة. ويقتعد معك على كثبان رملية ليحدثك عن أسامة ابن منقذ. وينثر على الأرض شعره الرقيق. أو يرحل بك صوته لأديرة وزوايا وخلوات للقداسة والتصوف عن كل ما يشغل وتافه. يا ماجد إن لم يُحفر على أعلى سريرك أثر راسك المتأمل فلن تصل لشيء