Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 21 فيفري, 2011

“لقاء مع ماجد الجارد في برنامج صباح الخير على إذاعة you fm يوم الأحد 17/3/1432هـ “

لقاءنا اليوم مع كاتب يرانا لكن بقلبه , لا يقدر أن يرانا في حقيقة واقع الأمر لكن هو إنسان قدر أن يتميز بالإبداع وتعويض الذي صار عنده .. طبعاً مستمعينا نحن ممكن نرسم الدنيا بعيوننا بحسب التجارب التي نعيشها ودائماً يقولون من قلب الألم يولد الإبداع , و الإبداع دائماً ما له حدود . أكيد مهما كانت مشكلتك مهما كان نوع الألم الذي تشعر به , تأكد أنك لو ركزت قليلاً أنت قادر على التميز و التفوق أكيد من مكانك من ما عندك كن دائماً فجر جديد و دائماً غداً أحلى .

مستمعينا نزل الظلام هذه الرواية للكاتب الروائي ماجد الجارد طبعاً هو كفيف, فقد بصره , سوف نتعرف على تفاصيل كتابته للرواية و تفاصيل حياته , و المعانات التي مر منها و أكيد تميز برواية جميل جداً, نتعرف على الكاتب ماجد الجارد :

–        صباحك خير .

–        صباح النور أهلاً وسهلاً .

–        في البداية عرفنا على نفسك أكثر, كم عمرك ؟ ما هو اختصاصك الدراسي ؟ وتأهيلك العلمي ؟

–        ماجد الجارد إنسان بسيط جداً تخصص علم اجتماع  جامعة الملك عبدالعزيز و حالياً أدرس دبلوم عالي في التربية الخاصة , أعمل في قطاع التعليم . نزل الظلام رواية هاجس منذ تقريباً عشر سنوات هي ذهني بدأت فعلياً في كتابتها في 2006م هي تريد إلقاء الضوء عبر شخصياتها الثلاثة , عن كيف أن الإنسان إذا مر بضغوط معينة في الحياة أو القدر . كيف أن وضعه تحت غلالة من العتمة أو ما شابه ذلك . كيف ممكن أن تعيش هذه الناس . نزل الظلام تتكلم تحديداً عن أبطال العمل  يسافرون عن آسرهم و يتغربون عنهم , من بيئات مختلفة بيئات متعلمة و بيئات قروية يعانون من مشكلة العمى يسكنون مكة المكرمة في سكن داخلي في معهد داخلي .

–        ثلاثتهم يعانون من فقد البصر أو العمى ؟

–        نعم .. جميع أبطال العمل يعانون العمى لكن بأسباب مختلفة إما أن تكون ورائية أو تكون بسبب إصابة حوادث أو ما شابه, أعمارهم ممكن تكون من سن 8سنوات إلى 20 سنه . طبعاً النزل تحاول أن تخبرنا أن هؤلاء الأبطال الثلاثة الذين تغربوا عن أمهاتهم, تتكلم عن حجم التهشيم النفسي الذي يصيب الأسر مثلاً تخيلي طفل عمره   8 سنوات يترك أمه و أبوه ولا يزورهم إلا في العطل الرسمية أو الإجازات فق . كيف تكون الحياة في ظل مؤسسة رسمية بهذا الشكل ؟ قد تكون قاسية , قد يعاملون كما يعاملون في السجون مثلاً أو في الإصلاحات لكن دون جرم سوى العمى !! جرمهم أنهم عمي .

–        ماجد سؤالي الذي على البال متى فقدت بصرك ؟

–        منذ الولادة فقدت بصري , عن نفسي ليس لدي مشكلة في مسألة الإبصار لأن الحياة لا تكتفي بما نشاهده , الحياة موجودة في داخلنا في أنفسنا نحن , ما علينا إلا أن نغمض أعيننا و نتأمل ذواتنا من الداخل , صدقيني سوف نجد جماليات أخرى للحياة ومظاهر أخرى للأمل .

–        جميل .. جمال روحك هو الذي ينعكس و يطفي أشياء جميلة على الحياة الخارجية. ماجد روايتك هذه هل اقتبستها من حياتك الشخصية ؟ محمد وخالد كانوا أصحابك ؟

–        لا ليست مثل سيرة ذاتية أو ما شابه ممكن أن أتقاطع معهم في مسألة فقدان البصر فقط لا غير لكن الرواية هذه قل في العالم العربي أن يكتب عنها عن و عن هذه القضايا .

–        روايتك تذكرني برواية طه حسين “الأيام”.

–        رواية “الأيام” كانت سيرة ذاتية طه حسين كتبها عن نفسه . و أنا ما كتبته كتابة عن نفسي بسيرة ذاتية .  العمل نزل 2010م في معرض الكتاب الدولي في الرياض مقل هذه الأيام , في اليوم الرابع حققت ضمن الكتب الأكثر مبيعاً بحسب إعلان المنظمين على المعرض .

–        جميل .. كانت ردود الفعل عليها إيجابية .

–        الحمد لله .. طبعاً العمل يتكلم عن أساليب العلاج , ممكن تكون أساليب بدائية أو شعبية . قدمت مقدمة في العمل للمبدع إبراهيم أصلان ” تفتش عن الحلم عما يريد و حين لا يجده يصطاد الصحو” هؤلاء الثلاثة الأبطال اصطادوا الصحو اصطادوا الأمل و اصطادوا القدرة على مقاومة النظام المتعسف و الأسلوب التعسفي في الحياة عندهم في النزل , كانوا يحولونهم إلى أرقام يحولهم كأنهم إصلاحيين كأنهم مذنبين . أوقات الطعام محددة , ونوعية الأكل سيئة , كل شيء بنظام , بالساعة كأنه طفل مفرغ من مشاعره , طفل مفرغ من طفولته . يعني أنت تدخل هذا المكان لا تخرج منه مثل هؤلاء الأبطال كانوا يدخلون يوم الجمعة ولا يخرجون إلا الأربعاء من الأسبوع القادم تخيل خمس .. ست ليال تحت الإقامة الجبرية ماذا ممكن أن يحصل؟ العمل بدايته درامية تقريباً يتكلم عن البعد عن الأمهات و الآباء ثم يتحول العمل إلى كوميديا ساخرة أو من الأدب الكوميديا السوداء . يحاولون أن يتحايلوا على النظام , يحاولوا أن يسلبوا حقهم عن طريق إضراب عن الطعام نفذوها داخل النزل , ممكن عن طريق المظاهرات نفذوها في النزل , ممكن عن طريق إذاعة . عملوا لهم إذاعة داخلية كانوا يبثون فيها همومهم و أفراحهم .

–        عصفت بذاكرتي أكثر رواية طه حسين أيضاً رواية أوليفر تويست لو قرأتها فيها المعيشة في مثل هذا المعهد و الحرمان .

–        نعم .. أوليفر تويست أيضاً رواية العمى لسورماغوا أنه وباء يصيب مدينة ما و يتحول الناس إلى عمي . كيف تكون الحياة في هذه الحالة !! صدقيني الحياة لا تقتصر على إبصار أو عدم إبصار  الحياة في الداخل الحياة في العمق الحياة لها مظاهر مختلفة ممكن أن نتذوقها ممكن أن نشمها ممكن أن نسمعها ننصت لها  فقط أن نعطي لأنفسنا مساحة  لنبحث عن الحياة .

–        ماجد روايتك نزل الظلام أخذت منك 5 سنوات من 2006م إلى 2010م صحيح ؟

–        بالضبط ..

–        ماهي خطتك القادمة 5 سنوات أيضاً.

–        حالياً بين يدي عمل أعمل عليه الآن , عمل روائي طبعاً لن يكون في منطقة عالم المكفوفين والعمى و نزل الظلام منطقة أخرى لا أستطيع المراهنة عليه الآن . للقارئ حرية أن يتقبل العمل أولاً . إن شاء الله سوف أضع جهدي كله في العمل هذا , أيضاً في صدد إعداد مجموعة قصصية . قريباً إن شاء الله تحت الإعداد.

–        نتمنى لك التوفيق ماجد الجارد الكاتب و الروائي لرواية نزل الظلام كنا سعداء بكلامك الجميل ونظرتك للعالم و يومك سعيد .

–        ألف شكر و أنا ممتن لكم .   

Read Full Post »

أمة تمشي على أربع! ::

الكاتب: د.محمد المخزنجي
نشرت على موقع مجانين – الشبكة العربية للصحة النفسية الأجتماعية بتاريخ: 26/06/2006

تم اكتشاف خمسة إخوة، أعمارهم بين التاسعة عشرة والخامسة والثلاثين، يمشون على أربع! الظاهرة مدهشة، وجعلتني مشاهدة صورهم في الصحافة، والتليفزيون، أشعر بالغرابة والرهبة. لكنني بينما كنت أتابع الضجة الإعلامية العالمية، العلمية، وغير العلمية عنهم، رحت أفقد دهشتي شيئا فشيئا أمام اكتشاف مروع هو أننا -هنا في مصر- أكثر عراقة في المشي على أربع، بل نقترب الآن من الوصول إلى قمة المشي الجماعي على أربع.

ولنبدأ الحكاية من أولها……..
قالت مجلة “ديسكفر” العلمية الشهرية في عددها الأخير، إن “الباي بيد اليزم” (أي المشي على قدمين) هو إحدى الخاصيات التي تميز البشر عن غيرهم من رتبة الرئيسيات في المملكة الحيوانية، لكن في بعض أفراد عائلة كردية من الريف التركي حدث أن سقطت بغرابة هذه الخاصية. وصار خمسة أفراد متخلفين عقليا من أبناء هذه الأسرة تتراوح أعمارهم بين التاسعة عشرة والخمسة والثلاثين يمشون حصريا على أربع.

وقام الدكتور “أونور تان” باحث فيزيولوجيا الأعصاب بجامعة “كوكروفا” بتوثيق حالة “الكوادروبيداليزم” (أو المشي على أربع) التي يتحركون بها، واللغة البدائية التي يتكلمون بها، ودرجة ذكائهم المحدودة، وكان الأغرب من ظاهرة هذه العائلة تأويل الدكتور “تان” لها والذي عبر عنه بالقول إن هناك عملية تطور معكوسة (دو- إفولفد) حدثت عند نمو أجنة هؤلاء الخمسة وتركتهم في حالة من حالات الإنسان البدائي.

بعد ذالك قام الدكتور “تان” بدعوة الدكتور “نيكولاس هامفري” من كلية علم النفس والاقتصاد! بجامعة لندن للقيام بدراسة هذه الظاهرة. ورأى هامفري في خمسة الماشين على أكفهم وأقدامهم دليلا على أن الإنسان الأول كان يمشي على أربع أيضا، وأن أجدادنا الأوائل تعلموا أن يشبوا مثل القردة العليا في الأزمنة الحديثة.

لقد وضح مما رشح من رؤية العالم التركي وضيفه الإنجليزي أن كليهما لا يعرفان الكثير عن تطور الجنس البشري مما حدا بالأنثروبيولوجي “جون هاوكس” من جامعة “وسكونسين” بماديسون أن يصرح قائلا بامتعاض:”إن العلم تمت إزاحته لصالح السيرك الإعلامي”وعلى الفور ضممت امتعاضي العلمي لامتعاض الدكتور”هاوكس” فالأمر ببساطة، وكما أكد متخصصون في علوم الوراثة والطب، أن الظاهرة راجعة لعيب وراثي في الكروموسوم رقم17يرجع أن سببه عائد لكون الوالدين ابني عمومة.

وفي رأي أن زواج الأقارب ليس سببا وحيدا، بل إن بؤس الأبوين الفقيرين معتلي الصحة، والجهل الذي أهمل تدريب الأولاد في سن مبكرة، كل هذا صنع هذه الظاهرة المخيفة في واحدة من أبأس بقاع تركيا الجميلة! وما كادت دهشتي للظاهرة الكردية التركية تخفت، حتى وجدتني أشتعل اندهاشا بالظاهرة المصرية الأعرف، والأكثر تواصلا، والأوسع انتشارا في المشي على أربع.

وراحت تجتاحني الصور.. في عنبر بسجن القناطر، وسجن المنصورة، وحوش معتقل طرة، وشاهدت المنظر يتقرر: فوج من سجناء القضايا البائسة مثل التسول وسرقة البيض والدجاج وبعض الفاكهة أو الطماطم، بعد أن نودي عليهم للإفراج بعفو رئاسي في أحد الأعياد، أو للترحيل إلى سجن آخر، وتحت وابل الضربات بهراوات وأحزمة عساكر السجن، وركلات أحذية بعض الضباط، يتهاوى السجناء البؤساء ويقرفصون في صفوف متعاقبة بانتظام، ويتحركون كلما صدرت إليهم الأوامر، مشيا على أربع!

وفي المنصة يوم وقف أنور السادات ليتلقى الرصاصات القاتلة في عنقه وهو يردد “ارجع يا ولد، ارجع يا ولد” ثم يهذي محتضرا “مش معقول.مش معقول” حدث الانكفاء العظيم، ولم نرى مرتفعا في المنصة غير صفوف المؤخرات، لأن المنكفئين كانوا يرتكزون على أربع!

أما يوم زلزال القاهرة العظيم عام92، فقد لاحظت بعد ثواني الرعب أنني كنت أجري والناس جميعا، منحنين، نوشك أن نجري على أربع، فقد كان اللاوعي الجماعي يفر بنا بعيدا عن هاجس العمائر الفاسدة المنهارة. تتسارع صور خاطفة، من المدارس ومراكز التأهيل والتكدير، لتلاميذ وجنود معاقبين بالمشي لربع ساعة أو ساعات “مشية البطة” ولعلها “مشية الوزة” وهي نوع يقارب المشي على أربع.

وأخيرا تأتي أحداث الصور، في أسبوع السحل للمتظاهرين سلميا تأييدا لوقفة القضاة الحضارية التاريخية العظيمة، وفي الصور يظهر بعض الضباط في ملابسهم الرسمية، وحولهم فرق البلطجة شبه الرسمية، تتلقى التوجيهات لسحل الناس، وإجبارهم بالهروات واللكمات والركلات على القرفصة، توقيفا على أربع!

لكن الاكتشاف الذي أدهشني تماما، ولا يزال، هو أن هؤلاء الضباط شرعوا بطريقة خفيفة، يمشون على أربع أيضا، وإنني موقن من ذالك، ودليلي هو المشابهة بين حس الطبيب النفسي حيال مريض فصامي ينهار أمامه في ذالك الوضع المؤلم الذي نسميه “الوضع الجنيني” حيث يجتبي وكأنه يعود إلى رحم أمه، يبحث عن الحمى والأمان الضائعين، عيناه المتسعتان تصرخان بأعمق تعبيرات الرعب، بينما يمعن في لم جسده على نفسه بقسوة، وكأنه يتوخى أن ينضغط وينضغط حتى يصير فعليا في حجم الجنين.

إنها لحظة يواجهها الطبيب النفسي بأعمق مشاعر الألم، وبشيء من الحيرة والاستغراب المشوب بالرهبة، الرهبة من هذا التجسيد المروع لتدهور النوع البشري في مواجهة الخوف، حتى وإن كان الخوف وهما داخليا.

ألا يحس ضابط الشرطة بشيء من الاستغراب وبعض الرهبة عندما يكره البشر على هذا التداعي؟ لست مثاليا لأفترض التطابق بين من يواجه انهيار الإنسان بتعاطف ورحمة ليعينه على النهوض، ومن يصنع انهيار الإنسان ويكرهه على القرفصة والحبو على أربع أو الزحف سحلا. لكنني أعرف أن ما يمكننا مقاومته على مستوى الوعي بالذرائع والتبريرات وتلقي العطايا، لا يمكن أن نقاومه على مستوى اللاشعور الذي يعمل حتى والناس نيام.

هناك مقولة متواترة عن التماهي النفسي للضحية مع الجلاد، ومسماها الأشهر هو “ظاهرة استوكهولم”، التي تجلت على بعض الرهائن المختطفين في عملية إرهابية بهذه العاصمة الأوروبية، فبعد تحريرهم ظهروا متوحدين تماما مع مشاعر وذرائع خاطفيهم!

الشيء نفسه يمكن أن يحدث بطريقة عكسية، وهي تماهي الجلاد مع ضحاياه، بمعنى أن انهيار الضحية وانكفاءه الجسدي على أربع، يمكن أن يوازيه انهيار في نفس الجلاد، على أربع أيضا، فالرهبة من مسخ البشر وجعلهم يمشون على أربع، والتي لا تعبر عن نفسها على مستوى الوعي، لابد أن تعربد على مستوى اللاوعي، تظهر عاجلا في كوابيس النوم، أو آجلا في أفعال قهرية بديلة، وأنواء متأخرة من أمراض النفس وأسقام الجسد التي تحير الطب والأطباء.

إن رهبة تشويه الطبيعة البشرية تلتقطها نفوس من يقترفونها، وتسجلها عليهم، وستطالبهم طال الزمن أو قصر بتسديد الحساب، وهو حساب عسير عسير، ولقد وصف لي زميل صديق لحظة مدهشة التقي فيها -كطبيب- بحطام رجل لم ير مثله حطاما، فكان مثل فأر أبرص، شبه مسلوخ، يخرج من ظلمة مزمنة، يعشيه أقل ضوء وتدميه أوهى لمسة، ولم يكن هذا الشبح الحطام غير اللواء “ح.ب” أشهر جلادي معتقلات عبد الناصر.

يا لحبي المجروح لعبد الناصر!
لقد وجه النبيل المستشار هشام البسطويسي رجاء عشية وقفة القضاة الشامخة، وفي برنامج تليفزيوني جرى بثة ليلة إصابة القلب النبيل بذبحة التألم للآخرين، رجا فيه قوات الأمن أن تترفق بالناس، فهم ليسوا مجرمين ولا معتدين، بل وطنيين شرفاء يعبرون عن موقفهم بطرق سلمية وحضارية، وإنني لأكرر هذا الرجاء لضباط الشرطة وقوى الأمن:

ترفقوا بالناس نعم، لكن ترفقوا بأنفسكم أولا، فهذه الممارسات ستعاقبكم عليها نفوسكم ٍالتي لا يمكنكم إقعادها أو إقامتها بأوامر من فوق فوق، أو من تحت تحت، أو من أي اتجاه. ترفقوا بأنفسكم، وبلهفة قلوب أبنائكم وبناتكم وزوجاتكم وأمهاتكم وآبائكم عليكم، والله إنه نداء صادق، فأنتم في يقيني ضحايا، من أكبركم حتى أصغركم، والمقابل زهيد وزهيد جدا، إذا قيس بما يناله المستفيدون من تشويهكم لكرامة خلق الله وتشويهكم لخفايا أنفسكم، ثم إن الرهان على دوام هذا الحال باطل، باطل لا بفعل ثورة الناس التي أشك في قربها لفرط ما هم مسحوقون ومنهوكون لحد العمى والخرس.. رهان باطل بفعل الزمن القريب الذي لا يرحم أنانيا عجوزا ونفايات من المنافقين والمفسدين والفاسدين من حوله.

لا تودوا بأنفسكم إلى تهلكة نفوسكم.
والله إنه رجاء صادق، فالأمة محتاجة إليكم أسوياء، لأن مهمتكم في سويتها نبيلة لأنها إن حسنت كانت جزءا من الفطرة التي فطر الله الحياة عليها، ففطرة الخلق جعلت من كل أمة شرطة تحرسها، وإنني لأتذكر أن الكاتب المسرحي الفذ “دورنيمات” صاحب المسرحية الخالدة “زيارة السيدة العجوز” أعلن مرة عن تفرغه شهرا أو شهورا لكتابة مقال يحتفي فيه بالشرطة، ولما بدا الاستغراب لدى البعض، أوضح دورنيمات أنه يكتب عن الشرطة في صور عديدة من الحياة. لم أطلع على مقال دورنيمات.

لكنني أعرف أن للشرطة دورا حيويا في الطبيعة ولدى كل المخلوقات، فقد رأيت بين قطعان الغزلان التي ترعى في البراري الإفريقية كما في محمية صير بني ياس الظبيانية أفراد من القطيع تظل رافعة رءوسها بينما بقية القطيع خافضة الرءوس تأكل العشب. والنموس الإفريقية تكلف أفراد من بينها لتشب منتصبة على قدمين فوق تلة مرتفعة لتراقب الأرض والأفق وهى تحمى النموس الصغيرة والإناث. الوضع نفسه, وضع الحيوان المنتصب على قدميه يراقب ويحرس ويزود، يقوم به قاضم أمريكي يسمى “جرو المروج”، أما أسماك “الزبيدي” البيضاء الفضية الرقيقة فثمة أسماك تشبهها تماما لكنها داكنة تظل تحف بأسرابها وهي تعبر المحيط الهندي الملئ بوحوش الماء وكواسره، كأنها قوات أمن مركزي في ثيابها السوداء وإن كانت لا تنكل بمن ينبغي عليها حراستهم.

الشرطة السوية فطرة، والأمن النبيل ضرورة.
وإننا في حاجة لمصالحة وطنية عميقة، وبعيدة النظر، وشاملة لكل مقومات الأمة ترى إلى أبعد من ثلاث أو أربع أو خمس سنوات قادمة، مصالحة تراهن على الخير مهما بدت صور الشر كثيفة. مصالحة تليق بشرف الإنسان وذكائه عندما خلقه الله يمشي منتصبا على قدميه, فيرى أعلى وأبعد، وهذه الرؤية هي ميزة الإنسان العظمى على كل المخلوقات المنكفئة على أربع، والتي لا ترى في مجالها الخفيض إلا نصل صياد، أو هبرة من لحم فريسة.
 

Read Full Post »

                                 27 يونيو 2003م

                                   ميدان التحرير

أطل من نافذة الطائرة الضيقة  على بحر عريض لا منتهى لزرقته.

السماء أمامنا عارية من الغيوم. والأفق يرتدي رداء سماوي عميق.

هناك أسفل الأفق بقعة صفراء تزحف صوب الماء.

تلتهمه قليلا قليلا تكبر بلونها الأديمي والبحر يصغر ويطوى تحتنا.

الأرض تقبل ونحن نطير نحوها. المشهد من نافذة الطائرة مهيب عظيم.

 حيث أن أعيننا تجس أرض الكنانة والتي طالما حلمت أن أدب فوقها.

من تحت طائرة الخطوط المصرية فلاة واسعة ومفازة تتوهج ذهبية الكثبان. وما هي إلا دقائق نحاذي شريان الحياة النابض. شريان النيل يتعرج بين وهاد الصحراء يعلم طريقه ومآله وغايته. حاذينا اللونين المائي والرملي العالمين المتيبس الجاف وعالم الارتواء والخصوبة . تارة يختفي النهر من تحتنا فيتجهم وجه الأرض وتارة ينسج النيل خيوطه في شبكة متشعبة متثنية يغلب عليها خضرة الشجر ونضارته…

 لبثنا محلقين فوق الفتنة  حتى هبطت الطائرة.  وأعلن الطيار عن الوصول مرحبا بكم في مطار القاهرة الدولي. وينبعث من خلفه عزف بيانو خافت هبطنا السلم واستقبلنا المطار بهتافات السلامة ونداءات على المسافرين ولافتات كتب عليها على عجل أسماء رجال ونساء. وضجيج وضحكات ورنة وتر وتجاوبات موظفين تتقافز من هواتفهم التي تطل وتتأرجح داخل فتحات جيوبهم…

استقللت سيارة أجرة إلى فندق قديم ربما هو أقدم فندق بمصر شيبرد الذي أحترق في حريق القاهرة الشهير قبل أكثر من مئة عام تقريبا. عبرت بوابته بحفاوة مصرية مبتهجة ثم في بهوه المطل على النيل جلست أستنشق عبق المكان خليط عطور فرنسية وشرقية وتبغ وحلويات ورفرفة كلمات وأحاديث بلغات شتى ونقرات خطوات وقهقهات سريعة قصيرة. صعدت لغرفتي المطلة بشرفتها على النهر الخالد ووضعت حقائبي ثم هبطت إلى ميدان التحرير كان بالجوار. هذا فندق سمير ميس وهذه سفينة سياحية وتلك سفارة وهناك مباني حكومية هذا جامع وعلى المفارق ناقلات جند سود ورجال يرتدون السواد دخلت كنتاكي التحرير وطلبت زنجر يم..يم  ثم عدت للميدان مستشعرا كل اللحظات التاريخية التي قرأتها عنه وعن تاريخ مصر الحديث. طفت بين الأبنية والأزقة واقتعدت على عشب الميدان الأخضر  تظللت بشجرة نيم معمرة. منظر الجند شغلني كثيرا وأثار داخلي الأسئلة لماذا هذه القوات الضخمة؟ ولماذا الآن ؟ أهم يترقبون حدوث شيء؟

كنت أمر بمجموعاتهم المنتشرة في كل مكان. أسائل نفسي أيكون قدرك في أول زيارة لك لمصر وأنت شاب قواتها الأمنية تترقب شيء ماء وتتوجس أمرا جللا  عند كل فندق ومرفق؟ في سيري هذا مررت بثلاثة جند يقتسمون أرغفة قليلة وطعاما بسيطا عندها أيقنت في نهار أول يوم بمصر أن الجوع والفقر هو العدو القادم لأرض الكنانة.

Read Full Post »

 قبل التحدث عن الرواية التي للتو فرغت منها وددت التأكيد على أن هذه الأسطر ليست نقد معمق وما هي إلا وجهة نظر عجلة واقعة تحت تأثير تلك اللحظة التي تنتابنا حين نأوب من رحلة كتاب وما تتركه فينا تلك اللحظة من خدر أو رضى أو غضب أو سخف أو تعظيم أو شهقة أو دهشة عميقة…
والرواية التي فرغت منها للتو هي لعبد الإله بن عرفة. وعنوانها(الحواميم) فحين كنت أجول بمعرض الرياض الأخير لفتني هذا العنوان!! ما المقصود به وعما تتكلم الرواية؟ مؤلف العمل نهج طريقة لأول مرة أقرأ وأسمع بها فيقول في مقدمة الحديث ما مفاده أن الحواميم مستلهمة من حرفين هما الحاء والميم.
وما عناه بهذا الاختيار تحديدا هو أن الحروف المقطعة بالقرآن الكريم حروف نورانية يغيب عنا فهمها إلا أننا ننعم بنورها المبارك.
لذا فإن الكاتب بن عرفة سعى لأن يتبارك بهذين الحرفين ويسمي بها أول رواية ينظمها في سلسلة الحروف المقطعة القرآنية. فسيتبع  الحواميم رويات أخرى من قبيل (ط ه. ي.ع. س) وهكذا وقد يتبادر للذهن كيف؟
على إمتداد الرواية نجده يوظف هذين الحرفين الحاء والميم في تشكيلة متنوعة من حصيلته اللغوية اللفظية. فيقول حاء  الحياة وحمام السلام وحِمام ويسمي الشخصيات بحياة حليمة . ثم يحلق في لغة صوفية رقيقة بمعاني الحمد ونعمه.
أما بالنسبة للميم فيسمي شخصيات الرواية من مثل معنينو(بطل الرواية), مصطفى محمد إلخ.
ويعرض ألوان شتى من كلمات تبدأ بحرف الميم: موت, ماء بحيث يطعم العمل وحواراته جملا تتكئ في تركيبها على هذين الحرفين.

العمل يتحدث عن تهجير الموركسيون عن أرض الأندلس في مطلع القرن السابع عشر, وبطلاه الرئيسيان شاب وفتاة موركسية. الشاب يهرب في صغره مع سفينة جهادية يتعلم ويشب على فنون القتال والحرب وتعلم العربية والفقه والأدب.

وأما الفتاة فتخطفها الكنيسة من أسرتها المسلمة وهي لم تبلغ الخامسة وتنشأ نشأة مسيحية. حقيقة لا أريد أن أحرق الأحداث عليكم.
ولكن العمل يعرض بشكل معمق معلومات واسعة حول الحياة الاجتماعية للموركسيين, كيف عاشوا؟ ما هي مهنهم وحياتهم اليومية؟ كيف يأدون صلاة الجمعة في السر؟ حقولهم متاجرهم مهنهم ثوراتهم تعذيبهم.

رواية جميلة في عرضها سلسة في لغتها.
هذا جانب وأما الجانب الذي لم يرق لي كثيرا فهو على وجه العموم:

أشعر بأن الكاتب إنساق وراء العرض التاريخي مما جعل نوعا من عدم التوازن بين تكنيكات الفن الروائي.

مثلا كل شخصيات العمل مثقفة وقادرة على الجدال الفلسفي والعقدي حتى الأطفال الذين لم يبلغو الحلم.
في مواضع تشعر أن الكاتب لم يتقمص الشخصيات تقمص تاريخي عميق.
بمعنى أن يعرض لقضية فلسفية لم تكن موجودة في تلك الحقبة التارخية التي تناولتها الرواية.
فيتردد على لسان الشخصيات لفظات من قبيل وجودي وأزمة وجودية.

أيضا في كثير من المواضع يغيب عنك وتتوه عن التعرف من المتكلم؟ هل هو بطل فرعي أو البطل الرئيسي أو الراوي العليم الذي يكون من خارج الرواية.
وختاما أعود وأكرر أن هذه الأسطر إنطباعية كتبت على عجالة.

العمل من الناحية التارخية جميل ومن الناحية الفنية لم يرق لي.
 إذا وجه لي سؤال أي فئة عمرية تناسب أن يقرءوه؟

 الرواية جميل أن يقرءها الناشئة في المرحلة الثانوية من الجنسين فلا توجد به جمل بذيئة أو مشاهد جنسية. العمل يمنحنا نظرة بنورامية  لعمق المعانة الإنسانية التي مر بها الموركسين.

Read Full Post »