Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for the ‘قصص’ Category

مسافر

مسافر

 أجمع شتاتي  المبعثر وأحشوها  داخل حقيبة  مزقتها ليالي الانتظار.

  أعلقها فوق كتفي متنقلا بين محطات السفر الباردة. لا رفيق لي في رحلة اللا مكان غير حقيبتي المهترئة. مبقورة  احشاءها يتناثر منها  ذكريات أحلام, عمر يعزف نغمة الحرمان, روح مهتكة لشبه إنسان…

في القطار أفرد خريطة الاغتراب. معالمها باهتة, خطوطها تائهة, اتجاهاتها حائرة..

 يتسلل  عبر نافذتي المؤصدة حقول  تتأرج حنينا. وغراس ياسمين تتفتح احتياجا. أشجار حانية تظلل أعشاش الإياب. وتثني جداول  تراقص وجه الفرح . من نافذتي  تركض مسرعة  تلال الأماني . عرائش مثقلة  بكروم  ضحكات وكروم همس وكروما تقطر شوقاً معتق. خلال نافذتي كنت أشاهد الحياة تسافر للوراء . وأنا المسافر نحو الأمام مسجونا إلى قضبان سكة حديد لا تصل.

Read Full Post »

ابن الجبالي

ذات صباح يرتدي وشاح الغيم. توجهت لمقهى يغتسل بالبحر. من شرفته الواسعة أحتسي قهوتي الرائقة السواد. وبجانب الفنجان بتلات وردة روز نضرة اللون مخملية الملمس طازجة الرائحة. أمسكت بقلمي الرصاص مخربشاً وجه ورقة صفراء. أخط دوائر وخطوط متعرجة.  ورواد المقهى بالكاد يتقاطرون…

رسمت على ورقتي الصفراء رجل ذا ساق خشبية واقفا بساحة مدينة عتيقة.  له عينان جشعتين  يرتدي برنصاً..

لم يرق لي رسمي قلبت الورقة ثم بقيت أرقب نورساً يحلق بعيد في الأفق ومن فوقه غيمة تتثاءب كسولة. تناولت القلم مرة أخرى ورسمت رجل يرتدي معطف طويل معلقا في خاصرته مسدس كبير. يضع فوق رأسه قبعة ربما تشبه قبعات ضباط الجيش.  يتناثر تحته صرر محكمة العقد. عندما  ألتهم حذاؤه ذا الرقبة نصف ساقه توقفت عن الخربشة وعدت إلى الرسمتي الأولى لذلك  الرجل  صاحب البرنص.. لوثت برنصه ببقع من قلمي الرصاص  فبدا متسخا.  ثم انتابني شعور بالقذارة تتسلل من قلمي الرصاص إلى معصمي…

فنزعت الورقتان من دفتري. ثم رسمت رجال لهم قامات طويلة بعضهم بأكتاف عريضه وآخرون بسواعد مفتولة. الرجال يتحلقون حول ميزان عظيم ووجوههم تصطخب وعيونهم تنتظر. وقد وضع في كفة الميزان وزنا ينقص منه  شيءً فشيءً لعل ذراع الميزان يصل مستقره  حد العدل والتوازن (وأي عدل) ! وأما بالكفة الثانية كان يجلس رجل مقعياً ككلب ساهم عن عالمه المصطخب…

ورقتي الصفراء ازدحمت بهذا السوق البشري فتناولت أخرى لا شية فيها ورسمت  ذراع الميزان وقد سكنت وتوقف تأرجحه. ثم قفز ذا الساق الخشبية و البرنص المتسخ يأخذ نصيبه من وزن الرجل الذي كان يقعي ككلب على إحدى كفلي الميزان. ويشير بيده إلى رجل آخر   ضخم البنيه يقف بين المتحلقين  ليعتلي دوره في ميزان العدل الموهوم…

تركت اللوحة ورحت أنصت لصوت فيروز وهي تغني قصة شادي الذي التهمته الحرب. وعند  شجنها  الحزين ضاع شادي رجعت لكراسي فرسمت ذلك الرجل الذي كان يقعي ككلب على الميزان وقد حمل على كتفيه  وزنه الذي قبضه. كانت أسماله نوافذ  تكشط جسدا أنهكه الفقر. يمشي بين الطرقات ساهم الوجه حائر العينين…

تناهى لأسماعي مذيع تلفاز المقهى  يقرأ  نشرة أخبار التاسعة بزهو ورتابة  “مرتزقة يقتلون أسرة بأكملها في العراق وكتيبة مرتزقة تحاصر حي في  الزاوية بليبيا” و أنا منهمك  لم أتوقف عن رسم ابن الجبالي الذي لازال يمشي مترنحاً بين الأزقة حاملا على كتفه ثمنه البائس  وبيده قنينة  خمر زجاجية  يصرخ  فتهتز أبواب  البيوت المتهالكة “كم بقي لك من الحياة يا ابن الجبالي”

 

Read Full Post »