Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 10 أكتوبر، 2009

أنثى خُضَبَا

 

أنثى خُضَبَا

 

حين أخلد لفراشي أُدخل معي ديوان للشعر أتناول منه قصيدة أو إثنتان  كمحسن للأحلام وطارد للكوابيس .   وذاك لأن كلا من  الشعر والحلم هما القادران على التحرر من أغلال الزمن والتحليق في سماء الخيال المنبعث من خفقات الروح المتأملة .

 وفي ليلة قريبة شرعت  في كتاب حديث اسمه ( كتاب الحب وحروف العشق من إبداعات نزار قباني جمع هيفرون حريري ).  

            ومرّت على لين الوسادة صورتي

                     تخضّبها دمعاً وتغرقها شجوا . 

على أعتاب هذا البيت  أقف متأملاً ومختزلاً دفعة واحدة  نوافذه وردهاته أسائل نفسي  ماذا يمكنه فعل بيت واحد ينزوي وسط أبيات قصيدة.

 ما معنى شجوا ؟ ولماذا استخدم تخضّبها ؟ .

الخضب هو الصبغ بالحناء , وشجوا الحزن وصوت شجي صوت عذب وغناء  طروب , وشج أي جرح .

من هنا ابتعدت دفعة واحدة عن واقعي وفقدت جاذبية الزمان والمكان  .

 ومرّت على لين الوسادة صورتي ……

  يخبرنا فيه المحبوب  عن  العبور اللطيف لصورته  على لين الوسادة التي  ترسم فوقها  ريشة   العشق  الحالمة  عالمها الشفيف .

هنا توقعت أن الشطر الثاني سيستمر في الحديث  عن نفسه . ولكنه  نقل المشهد لمكان آخر محبوبته الساهرة الأرقة .

                   و مرّت على لين الوسادة صورتي  

                           تخضّبها دمعاً وتغرقها شجوا .  

بيت أفزع طائر النوم وراح يرف  بجناحيه العريضين ناحية الشرق البعيد  . 

و ينبش ليلي الأرق مفتشاً في وسادة تفكيري ….

الأول بعد أن  ترآى للمحبوبة صورة حبيبها على وسادتها نقشتها بدموعها  نقشاً عشوائي  لكنه   مثير كنقش الحناء على راحة الكف .

والثاني  بما أن هذا الدمع ليس دمع عادي بل إنه دمع الذكريات النابع من  حمرة القلب فإنه تغير صفة  لونه  من مائي   شفاف لامع  إلى أحمر حنائي . 

والثالث هو كما أن المحبوبة غارقة في الحب هي قادرة على إغراق  أي شيء يعبر  فوقه صورة حبيبها .

والرابع  تغرقها شجوا تغرقها أغراقاً أليماً  ليس بالدمع  الحنائي الأحمر وحسب بل  حزناً وشوقا ولهفة وبكائاً شجياً يشج الروح  والقلب .

 يا الله كم من  الساهرين الآن .

كم في حيّنا , وكم في مدننا , وكم في عالمنا من وجهين بائسين حالمين  

 

 

يترآى  كل منهما  للآخر , وجهان ينتظران  لحظة معجزة  تنقلب فيها الصورة لحقيقة يتلمسها كل منهما  بأنامله.  ولكن يحول بينهما ما يحول من قدر صارم  أو جفوة قلب  .

من كتاب نزار قباني ( كتاب الحب وحروف العشق)

قصيدة / أُكتبي لي

 

إليّ أكتبي ما شئت .. أني أحبُّهُ

و أتلوه شعراً .. ذلك الأدب الحُلْوا

و ممتص أهدابي انحناءات ريشة

نسائية الرعشات .. ناعمة النجوى

عليّ اقصصي أنباءَ نفسك .. و ابعثي

بشكواكِ .. من مثلي يشاركك الشكوى؟

لَتُفرحني تلك الوريقات حُبِّرتْ

كما تُفرح الطفل الألاعيب و الحلوى

وما كان يأتي الصبر.. لولا صحائف

تُسلّم لي سرَّا .. فتلهمني السلوى

أحنُّ إلى الخط المليس .. ورقعة

تَطاير كالنجمات أحرفها النشوى

أُحسك ما بين السطور ضحوكةً

تحدّثني عيناك في رقةٍ قصوى

تغلغلت في بال الحروف مشاتلاً

و صوتاً حريريَّ الصدى , وادعاً حُلْوا

رسائلك الخضراءُ .. تحيا بمكتبي

مساكبَ وردٍ تنشر الخيرَ و الصحوا

زرعت جواريري شذاً و براعماً

و أجريت في أخشابها الماء و السَروا ..

إليَّ أكتبي إما وُجِدتِ و حيدةً

تدغدغُكِ الأحلام في ذلك المأوى

و مرّت على لين الوسادة صورتي

تخضّبها دمعاً .. و تُغرقُها شجوا

وما بك ترتابين هل من غضاضةٍ

إذا كتبتْ أختُ الهوى للذي تهوى ؟

ثقي بالشذا يجري بشَعْرِكِ أْنُهرا

رسائلك النعماء في أضلعي تُطوى

فلست أنا من يستغلُّ صبيةً

ليجعلها في الناس أقصوصةً تُروى

فما زال عندي .. رغم كلّ سوابقي ..

بقية أخلاقٍ .. وشيءٌ من التقوى

                                                               ***********

Read Full Post »