Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 5 أكتوبر، 2009

 

الثالوث

( قراءة في رواية السيد إبراهيم و أزهار القرآن . نشرة في جريدة الاقتصادية )

 

 

من النادر تقرأ عمل يتسم  بحيادية مطلقة ولكن  رواية السيد إبراهيم وأزهار القرآن للكاتب إرك إشليدوت اقتربت من المطلق بتلمس القواسم المشتركة بين الديانة اليهودية والمسيحية  والإسلام.  

ولم يتكئ العمل  على الأسلوب الفخم والرصين  والحبكة الروائية المتقنة  وإنما  قوة العمل تستند على  لعبة التناقض  المولدة للأفكار المعمقة فتوليفة  المكان والزمان والشخصيات إذ تتفاعل لتوصلك لحالة وعي  إبداعي ساحر .

 ولنبدأ من  مكان  الرواية باريس  بالشارع الأزرق ذا  الغالبية اليهودية ولا  يوجد  بالشارع الأزرق إلا  بقاله وحيدة يملكها إبراهيم المسلم المهاجر من الهلال الذهبي  . ويضاف لذلك دقة  اختيار  زمن العمل ستينيات القرن المنصرم  والتي كانت تعج بالصراعات العالمية  .

ما يعنينا هنا  أن التناقض المولد للأفكار لا يقتصر على الزمن والمكان بل يطال  أشكال  العلاقات بين أبطال العمل  وكيف تنظر لذاتها وللمحيطين بها .

 فالأب  اليهودي المحامي الفاشل يتصور أن  المال  وجد لا ليصرف بل ليدخر يعتقد اليهودية هي أن تتذكر الآلام  وإيمانه بأن الأشياء لها معاني خفيه صعب و عسير.  وانتهاء به الأمر  بإلقاء نفسه تحت القطار  ثم تأتي شخصية الزوجة  التي لم تستطع الاستمرار مع البخيل لتهجر ولدها وزوجها وتختفي ثم يعاودها حنين الأمومة فتبحث عن موسى ابنها  وتجده في نفس البيت الذي تركته فعرفها ولكن لم يفصح لها عن شخصيته الحقيقية.

ويوصلك منطقية العمل بسلاسة للابن  موسى الشاب اليهودي ضحية  الأب البخيل والذي يعامله بصلف  ما دفع موسى  لاتخاذ ردة فعل عكسية ممزوجة بالكراهية والسلوك السلبي فيكرس جهده لتوفير  المال  فيشتر للمنزل  أطعمة رديئة ويسرق من  البقال وأبيه ثم  يسرفها في ملذاته. موسى حائر  يتساءل  ما  الدافع  لابتعاد المحيطين عنه   وأول من هجره أمه حين ولدته وهجره أباه عند ما  بلغ. دائم الحزن يرى أن الفرح والابتسام  لا يقدر عليه إلا الأغنياء وينظر للعالم  بعيني أبيه. وما يلبث هذا البائس حتى يتبدل   يتنكر لشخصيته القديمة ويبدل اسمه لمحمد

ويصبح البقال  العربي المحلي الذي يفتح من الثامنة صباحا إلى ما  بعد منتصف الليل وحتى  أيام الأحد  .  ونتاجا لتفاعل الشخصيات الثلاثة السابقة  ننجرف ناحية النقيض تماما هذه  الأسرة   اليهودية ,  إبراهيم  المسلم المقبل على الحياة المتفائل السخي الوفي لزوجته المتوفاة    هذه المثالية  لكي تصبح مقنعة  تقترب من الواقعية فالسيد إبراهيم له نزوات وشهوات  فهو غير متقيد بتعليم الدين حرفيا, 

 

 

 

 

السيد إبراهيم  يملك  القدرة   في بناء ومد جسور  العلاقات  مع الشخصيات والتدرج في  طرح الأفكار الفلسفية بهذه التركيبة المتكاملة  كان السيد إبراهيم  مقنعا لي كقارء  ولموسى كطرف من أطراف العمل  . يا موسى بالابتسامة تستطيع أن تغير الكثير والابتسامة هي التي تجعلك سعيد وتملكك سلاح قوي لا يقاوم .

يا موسى الجمال من حولنا فثمة تولي تجد الجمال إما في الطبيعة أو الروح أو التناسق والتناغم الهرمنية مع الكون  .

وفي روح العطاء فما تمنحه يبقى للأبد وما تمنعه تفقده للأبد ودع قلبك الطائر يحلق ويتحرر من قفص الجسد ويحيم ليلتقط المعاني والأسرار والكشوف .يا موسى  المساجد تفوح برائحة الأجساد المحلقة في السمو هناك  نشعر بذواتنا وذوات الآخرين نتحول لذرة من ذرات الكون تتوحد وتتلألأ   في قبة السماء وتدور مع الأرض  .

والعمل مرصعا موشح  بالرمزية فما  الأسماء الثلاثة  موسى الحامل للصفات العرق اليهودي  وإبراهيم الأب  وابنه  محمد الوارث للقرآن  والبقالة  التي قد تشير  في ظني  الأرض المقدسة فلسطين والت لم تذكر لا من قريب ولا من بعيد

 رمزية  بيت اليهودي شحيح الإنارة  مظلم وشبابيكه مغلقة وستائره الغامقة ورائحة  أثاثه البالي  التي تشبه السجاد القديم وبمجرد أن آل  لموسى  أعلن خروجه  من تحت عباءة أبيه  على الفور  قام ببيع الكتب وفتح الشبابيك للنور وطلى المنزل بطلاء جديد وفاجأ أمه بأنه لا ينتمي لهذا البيت ثم قام بالسفر مع السيد إبراهيم لإسطنبول وكيف كانت شبابيك السيارة مشرعة للهواء  طوال الطريق  غريبة هذا الرمز الشباك والذي أن أقفل يظلم كل ما في الداخل وإن فتحت على مصراعيها دخل النور والهواء النقي فيتغلغل في كل شيء , وأخيرا نصل  لرائحة الديانات  النفاذة  التي تعبق  فالبخور والشموع  بالكنائس والأجساد المتعبدة  بالمساجد  تثير أدخنة سؤال  هل التسامح بين الأديان ممكن  ؟ سؤال يبقى مفتوح بحجم ما بين  دفتي كتاب التاريخ

 

 

Read Full Post »