نشرت في ملحق الأربعاء جريدة المدينة اليوم 9/1/1432هـ
سجل أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب
“سجل أنا عربي” هذا ما قاله درويش للضابط الإسرائيلي حين سئل عن هويته. وأما ما قاله قطينة في ظرف مشابه ص18 “فأنا حين طلبت إلى الضابطة الإسرائيلية مهلة لاتخاذ القرار، اكتشفت إنني للمرة الأولى أعيش أزمة حقيقية في معرفة هويتي”. كلٌّ من هذين الموقفين لجيلين مختلفين..
درويش وقطينة دفعاني لأتساءل هل لا يزال الفلسطينيون يحملون ذات الهوية الفلسطينية التي خرجوا بها مهجّرين من قراهم في نكبة الثمانية والأربعين وما قبل؟
إن كتاب (الجنسية) لمعتز قطينة الصادر عن دار أزمنة لسنة 2010م وتصميم غلافه اللافت “جواز سفر سعودي أخضر يعلوه سيفان ونخلة” ورقم العنوان والتصميم يمضيان في مدى شاسع من التأويل لماهية الجنسية؟ وهل هي تعادل الهوية؟ وهل هما استحقاق أو هبة؟ ومن الذي باستطاعته منحنا هوياتنا ولماذا؟
ما أن تعبر السطور الأولى حتى تكتشف أن الكتاب يتناول جيل الأحفاد الفلسطينيين الذين ولدوا بالخليج العربي. في محاولة جريئة لعرض استشكالات تتعلق بالهوية وهذه الاستشكالات ليست نتاجا لقضايا العمل والعمال بل شيء أبعد وأعمق إنه يلتحم بالهوية الناهضة.
فالتواجد المكاني للأحفاد الفلسطينيين بالخليج جعل هوياتهم تتعرض لعاصفة عارمة ترمي بشرر الأسئلة على مدى قرابة أربعة وثلاثين موضعًا ولا يقل الموضع الواحد عن سؤالين كلها تحاول توصيف وشرح لهوية الأحفاد ومناقشتها ومحاورتها علها ترسم ملامحها. إن اعتماد الكتاب تقنية التساؤلات زاد العمل تشويقا وبحثا عن إجابة شافية بين صفحاته البالغة 175 صفحة. بهذا استطاع الكتاب الابتعاد عن التقريرية والخطابية والقفز لمناقشة النتائج قبل عرض الأسئلة. وتلك التساؤلات قد تتعلق بذات السارد وأسرته ووطنه فكل شيء قابل لأن يعرض تحت عدسة التشريح. هي تساؤلات هامة وحساسة ليست لأنها تتماس مع الهوية الفلسطينية بقدر ما أنها نابعة من عمق التجربة الإنسانية، والمعايشة اليومية، واحتكاك مباشر مع هويات قد ولجت تلك البوابة التي تعبرها كل الإثنيات والثقافات والأعراق الإسلامية إلى الحرمين الشريفين. وعاملا آخر تحتك معه ما تحمله هذه الأرض من هويات بعضها متجذر بعمق المكان وتحركها وفق مفهوم (القبائلية) كما قررها الغذامي في كتابه الرائع القبيلة والقبائلية.
يضاف لهويات الإثنيات الإسلامية والقبائلية تفاعلها مع هويات طارئة ومؤقتة للذين قدموا سعيا للرزق ثم سيؤوب إلى وطنه الأصلي..
إن كتاب جنسية يحاول استبطان الاختلاجات النفسية التي تعتمر الحفيد الفلسطيني ص17 «من أين أنا؟ وكيف صرت أبن هذه الأرض؟ هل أنا أحب مكاني الذي تشكلت فيه أكثر؟ أم أنني أحب المكان الذي حملت اسمه أوراقي الثبوتية؟ أم أنني أنتمي إلى وهم». هذا المونولوج الداخلي المباشر (الأسئلة) ولكأنه يحاول تأسيس نوع محدث من الهوية الفلسطينية. هوية ولدت خارج فلسطين موطنها الأصلي. ناشئة في بيئة مختلفة التكوين. لذا أتت مغايرة عن هوية الأجداد الذين غرسوا حقول فلسطين وابتنوا دورها. أجداد لا يعرفون سوى الأرض التي بورك حولها، والجذور المتعرقة وكرم الزيتون ومسجد القبة وزهرة المدائن والقرى الوادعة والنجوع الهادئة.
ليست هوية قطينة تقف عند هذا فحسب بل أنها نسيج آخر تماما عن الهوية الثانية للفلسطيني. المتمثلة في جيل الأب المهجر عن قريته إثر نكبة الثمانية والأربعين. والمترحل بمفتاح بيته العتيق وذكرياته وآماله. الذي يقتات واقعه الممزق بين حلم العودة النائي واسترجاع تفاصيل الذكرى العابرة.
وأما هوية قطينة فهي هوية الأحفاد الذين لم ينبتوا بفلسطين ولم يعيشوا تجربة التهجير القسري والتطواف بمدن العالم المتناثرة ومكابدة فقر المخيمات البائسة. إنما هؤلاء الأحفاد ولدوا تحت سماء دولة نفطية، بغير اختيارهم رضوخا لإرادة منفصلة عنهم. إرادة خارجية يتنازعها الظرف التاريخي وقرار الأسرة المحض. لذا فإنها هوية تبدو بسماة مختلفة عن آبائهم وأجدادهم.
إنها مغايرة عن هوية الآباء المهجرين والتي تتصل وتمتد وتفاخر بالجذور يقول درويش في هذا الصدد:
“جذوري قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتح الحقب
وقبل السرو والزيتون
وقبل ترعرع العشب
أبي من أسرة المحراث
لا من سادة نجب
وجدي كان فلاحا
بلا حسب ولا نسب
يعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب
وبيتي كوخ ناطور
من الأعواد والقصب
فهل ترضيك منزلتي”.
وأما الأحفاد الذين ولدوا بالخليج فيقول عنها قطينة ص79: “هل يمكن لنشرة الأخبار وحدها وصور الشهداء المنثورين كل يوم أن يخلقوا ارتباطًا بعالم لا أعيشه؟! أي المبررات يمكنه أن يعقلني ببلاد لا أراها”.
هو يشعر بحالة عزلة ناتجة عن عدم المعايشة اليومية لهوية العرق المتوارث في بيئته الأساسية أرض فلسطين المغتصبة. مقررًا أن الأرض منبع كل هوية. تلك التي يقف عليها الحفيد ويمارس الحياة منها. بل أنه يتساءل باحتجاج إنكاري ص106 “ما الفرق الذي لا يجعلني قطعة من الأرض التي تحملني؟!” متشبثًا بأرضه الدارج فوقها. والتي لا يعرف سواها.
ص79 “وكنت أنتظر بخوف اليوم الذي تقول أسرتي إنه قريب، اليوم الذي سنعود فيه إلى فلسطين، لنسكن القدس، في بلادنا كما يقولون”.
شاعرًا بانفصال تام عن ارض سلالته وبانفصال عن أسرته المهجرة، منتقين لفظة توسع المسافات بين الحفيد وأسرته “في بلادنا كما يقولون” هم نبتات نمت في تربة ليست مغيرة بمعنى الوطن البديل بل تربة تمتلك صفات أخرى ثقافيًا واجتماعيًا وديموغرافيًا. إلخ يعيشون لا على سبيل التضاد بل في تواؤم تام وتجانس مع بيئاتهم التي لا يعرفون غيرها. فيستنكر الحفيد على أبيه لأنه يريد أن ينزعه ويعيده إلى ذات التربة التي تسامقة منها شجرة الأسلاف المعمرة. ص83 “كيف يفكر هؤلاء الآباء؟ يغرسون أبناءهم في تربة يختارونها، ويعتقدون أن بإمكانهم، في أي وقت، أن يطلبوا تحويل الحصاد إلى تربة أخرى!!» لذا نتج جيل الأحفاد الفلسطينيون بالخليج بسمات تهجين حديثه فيقول ص18 “وإن كنت في جدة غريبًا فإنني متآلف مع لساني، ووجهي، ومتآلف مع صورة الشوارع المليئة بالحفر أكثر من صورة الجبال التي تحتضن البلدة العتيقة” غير شاعرة بأنها قد تبدو متناقضة ومتعارضة بل لم يخطر بباله أنها على سبيل الورطة فليس هو المقيم الذي قدم لهدف شخصي وليس هو المواطن المتحدر من جذور الأرض ص 18 “لقد كنت دائمًا مزيجًا بين اثنين، دون أن أفكر بالأمر على محمل الورطة، فالأجنبي الذي يعيش فلسطينيًا في السعودية، هو ذاته الذي يقضي صيفه السنويّ سعوديًا في شوارع القدس!” وبهذا الثنائية التي سماها (الفلسعودي) ممكن أن تكون أيضا الأردفلسطيني والفلسعراقي وهكذا في تلقيح وإخصاب ثنائي متمازج متداخل لا يمكن فصلهما عن بعضهما ولا نستطيع تحديد أيهما أكثر تاثيرًا (توحد تام) فلو قدر لهذا الحفيد الفلسعودي أن يعيش في وطن ثالث فسيكون فلسعوديا وحسب. بل إن هذه الهوية تميز نفسها عن الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات أخرى ص 117 «أنا فلسطيني لا يمكن أن يرحّلني أحد عن السعودية، يمكن للحكومة أن ترحلّك يقول لي وتقذفك إلى عمّان بسبب جواز سفرك الأردني لو أقدمت على ما يلزم ذلك، أما أنا حامل وثيقة السفر المصرية، فلا يمكن أن أغادر السعودية!”. بهذا الطرح يمنحنا قطينة زوايا متعددة لهوية الأحفاد في تساؤل عميق هل تتنوع هوية الأحفاد الفلسطينيين، كما تنوعت هوية الآباء الذين عاصروا النكبة والأجداد الذين سبقوها ولم يعرفوها؟ ولكأنه يريد القول هنا بأن من يمنح الهوية أو أكبر مانح لها هي الأرض التي ندب عليها. إن كتاب جنسية وما يحمله من هوية الفلسعودي والتي هي نتاج مكون من عناصر متنوعة: الأرض التي ولد عليها والتنشئة في مدينة جدة. ومكونه العرقي الفلسطيني. وتأثره بالثقافة السعودية السائدة. وتبخر حلم العودة لفلسطين. وانفصاله التام عن هوية الآباء والأجداد كل هذه المكونات تجعلنا متعطشين للتعرف على تشظي هويات الأحفاد في المخيمات بلبنان والأردن وغيرها؟ وهويات أحفاد الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية؟ والأحفاد الذين يعيشون على أرض فلسطين ولا يحملون سوى الجنسية الفلسطينية؟
قرات اليوم عبارة او تساؤل بمعنى اصحو من أنت لكي تكون أنت اليوم؟
سالت نفسي من انا وماذا اكون؟ ولم اجد اجابة مقنعه لي…
ومع قراءة مقالتك, اضفت لتساؤلاتي سؤال واضافة فراغ لاجوبتي, هويتي؟
هل تسوى قيمتي من جواز السفر الذي احمله, ام حقيبتي المليئة بمبادي وافكار وقناعات واحلام؟؟؟
تساؤلت كثيرة زادت مقالتك في اضافة المزيد منها …
لا ادرى ااشكرك ام اطالبك بالبحث عن اجوبتي المفقودة …
تقبل مروري استاذي الكريم.
الأخت علياء أحمد مرحبا بك: عذر سأتخطى تساؤلاتك الهامة قافزا إلى جملة معينة. ومن ذا الذي يزعم أن الهوية هي” المبادئ والأفكار والأحلام!” كل هذه الثلاثة متغيرة وقد تكون هلامية بخلاف الهوية. فالهوية ثابتة راسخة رسوخ الجبال. ألم تري الفلسعودي الفلسطيني السعودي هو مزيج (فلسعودي) حتى لو لم يعد إلى فلسطين أو بقي في السعودية أو أكمل ترحاله لمكان ثالث. أختي لا تشكريني ولا تطالبيني فأنا لم أقدم لك شيء يستحق الشكر وكل ما يمكنني قوله الإجابات مبذولة إلا أنه كيف نوفق للسؤال الجيد؟.
كيف أفسر الحنين لدى رؤيتي بيتا موغلا ف القدم , كل ماقيل عنه أن جدي سكنه وأبي – رحمه الله – ملأ رئتيه بالهواء – أول مرة بين حيطانه الطينية ؟
لك الله أيها الفلسعودي كم تحتمل !
هلا ايقون. كيف نفسر حنيننا لمكان ولا يربطنا به سوى أن جد نتحدر من نسله؟ ممم حقيقة بالعموم مسألة الهوية هي مسألة شائكة وملتبسة كثير. منهم من يعيدها للأرض كما يقرر هذا الحكومة الأمريكية حيث تمنح الهوية لكل من يسقط رأسه على أرضها حتى لو كان غريبا أتى لهدف شخصي عابر. ومنهم من يعمق هذا كما يقول أفلطون أن الهوية لا تمنح سوى لمن هم ثالث جيل. يعني لا يحق الك الانتماء للهوية الأرض حتى يولد أبوك وجدك عليها. وبظني هذا كي يتغلغل صفات البيئة والمكان والثقافة المادية وغير المادية في الإنسان. والغريب أن القول هذا كان قبل بضع آلاف من السنين. ولم يكن هناك تكدس بشري وضيق في الموارد وحدود سياسية واضحة المعالم. ومنهم من يجعل الهوية معادل مكافئ للجنسية. بظني أن أكبر مانح للهوية هما محددان الأرض وما تزرعه الأسرة في ناشأتها. فلو كرست الأسرة فكرة الاغتراب عن المكان فإنه بالتالي سيفقد الناشئ جاذبيته للأرض. والسؤال الذي يتبادر هو بما نصف علاقتنا بأرض الأندلس كمسلمين حكموها وزال حكمهم؟ وما طرحته هنا محاولة للتفكير وحسب.
سبحان الله..
كنت أقرأ صفحة الكتاب في موقع قود ريدز وعندما دخلت هنا وجدتك تتحدث عنه!
أحترم الكتاب المختلف..اللي يحكي عن تجربة
الأدباء الفلسطينين اجادوا الحديث عن الهوية..وعن جيل مابعد التغريبة الفلسطينية..
جيل مذبذب الهوية..و..” ألسنا جميعا كذلك!”
هل الهويّة هي ورقة وختم؟ أو هي انتماء وحب؟
أثق أنني سأبحث عن الكتاب..فعرضك هنا للكتاب مشجع
__
أتمنى عليك أن تضيف للقوائم الجانبية قائمة “آخر الردود” ..كي يكون زائر المدونة على اطلاع على التحدثيات والتعليقات الجديدة لكل التدوينات..
و…مساءك رضا
صباح الخير غربة. قبل البداية أود أن أخبرك أن هذا النص هو من بقيا فلول النظام السابق. كنت كتبت هذا النص قبل أشهر طويلة. ثم بعثته إلى الجريدة وتأخر نشره على غير عادتهم معي. ومع مرور الأشهر ترسخ لدي أنه لن ينشر بل أني نسيت أمره تماما. وحين عطل جهازي ذهب مع ما ذهب. وقررت إعادة كتابة حين تسمح الظروف. ثم في صباح الأربعاء هاتفني صديق وأخبرني بأن مقالة لي نشرت واسمها الفلسعودي. لا تعلمين ما حجم فرحتي لا بالنشر بل لعودة غائب ظننت أنه لن يعود لذا سأرتقب فالأيام حبلى…
أما عن مقترحك فهو وجيه جدا ولم يخطر علي من قبل إلا أني أجهل كيف أنفذه من لوحة التحكم وكيف أضيف هذه الخاصية سأحاول البحث عن طريقة وأنفذه بإذن الله. أما ما تفضلت به عن مصادفة الكتاب الكتاب جميل ما يطرحه إلا أنه قد يكون مبتسر في آخره واستعجل الكاتب لينهيه. وأحيلك لو سمحت لكتاب قوي في طرحه هو الهويات القاتلة لأمين معلوف. أما الفلسطينيون فقد نحتوا هوياتهم بشكل واضح الملامح وذاك لأن هوياتهم نابعة من جذر الأرض والدين سواء أكان الإسلام أم المسيحية. وتداخل هذان المكان والدين بما يحمله من مقدسات أنتج هوية تستطيع وضع حدود فاصلة بينها وبين الهويات الأخرى. فمن سمات الهوية أن تضع حدود فاصلة بينها وبين الهويات الأخرى. ولست أأمن بأن الهوية هي مكافئ أو تعني الجنسية. فالهوية مكون ثقافي بكل ما يحويه المفهوم من ثقافة مادية وغيرها ومكون تاريخي وعرقي وبئي تأثر فيه الوراثة بشكل كبير. فأما الجنسية شيء متماس مع الواقع السياسي الراهن. ذات يوم حدثني رجل يعود نسبه لأسرة كانت على رأس سلطنة في اليمن اسمها القعيطي. وكان لها جوازات سفر باسم هذه السلطنة. ثم زالت هذه السلطنة. والسؤال هل للجواز الذي يحمله ذاك الرجل يشير لدلالة على هوية من نوع ما؟ . ولا يعني هذا المثل تعميمه فحين نستطيع تحويل أو ترسيخ الجنسية وربطها بعناصر الهوية عندها يصبحان وجهان لعملة واحدة. غربة ممتن لثراء مداخلتك