هل السماء قريبة.. ؟
وأنا أتجول بين أرفف مكتبة جرير لفتني عنوان رواية عراقية هي ( كم بدت السماء قريبة). فمكونات العنوان سماء وقريبة ماذا يحدث حين تكون السماء قريبة؟ بماذا نشعر؟ عن ما نرتفع؟ أهو هرب من واقع أرضي أم تسامي و تسامق؟.
كل هاتيك العوالم طافت بمخيلتي جراء هذا العنوان اللافت. عنوان لا يشي بالسر المدفون بين السطور. كانت أجواء الرواية مقسمة إلى مكانين العراق وإنجلترا. زمنها يمتد ما بين نهاية السبعينات حتى التسعينات من القرن الماضي. يميز العمل سلاسة اللغة وبساطتها وبعدها عن التعقيد والاستعارات المتكلفة. يلفتك وأنت تطوي صفحاتها ما يمكنني تسميته إن صح اللفظ بالصور الصوتية. ولست أعني موسيقى النص كالتي يتميز بها الشعر وفنون البلاغة من جناس وجرس وطباق ومقابلة إنما ما أعنيه هو أن الرواية تستخدم ألفاظ تقريبية حتى تحاكي الصوت الطبيعي. مثلا حين تصف صوت حذاء مطاطي ترتديه شخصية من شخصيات العمل فتحاكي الصوت الذي ينتج من احتكاك المطاط بالأرض سلب .. سلب. وتصف مثلا صوت فقاعات بق .. بق. والساعة تك .. تك وهكذا. وأصوات من قبيل كرش .. كرش .. خرش .. خرش .
وأيضا يتميز الأسلوب بالصور اللونية المكثفة. فتصف بساتين الزعفرانية بالعراق. ألوان الزهور, الحشرات, الملابس, الأثاث حتى الهاتف الأخضر وقرصه وتذهيباته. والتلفاز الأبيض والأسود. ألوان المخبوزات والمعجنات. كذلك يتسم أسلوبها بالخفة والرشاقة وقصر الجمل خاصة حينما كانت تتحدث عن طفولة البطلة ولعبها بين الحقول وجداول الماء والسواقي. ولنتجاوز هذه النقطة وندخل إلى أجواء العمل. البطلة هي ابنة أم إنجليزية وأب عراقي كان يدرس في بريطانية وتقابل مع الأم ثم راح يصف لها الشرق الساحر بكل مكونات فتنته. ثم قررت أن تترك وطنها وتسافر لتقيم في العراق المشرقي ظانة بأنها ستذهب في رحلة إلى عوالم ألف ليلة وليلة. وما أن تحل في العراق حتى تصدم بأن كل ما قد سمعته كان عالم حالم وردي (حسب وجهة نظرها) . لم تتآلف مع ثقافة الفلاح العراقي ولم تطق الطقس الحاد ولم تستطع التخلي عن أسلوب الحياة المدنية بخلاف زوجها العراقي المتشبث بالمكان بكل مكوناته المتجذرة. هذا التباين أنجب طفلة تترعرع في كنف الغرب والشرق. ويمزقها مسير كل طرف إلى اتجاه معاكس تماما عن الطرف الآخر.
فأمها تريدها أن تتعلم في مدرسة رقص باليه وتتعلم لغات وتتلقى تعليم أجنبي وتسلك سلوك اللياقة والبروتكول البريطاني في الأكل والانضباط والسلوك.
أما الأب فعلى النقيض تماما يريد من بنته أن تلعب في المزرعة وتختلط بالفلاحات وتتعلم اللهجة العراقية. يريد منها أنت تنشأ في الريف وتحيا هناك كما يحيا الزهر والشجر.ووظيفة الأب كانت متماهية مع أفكاره حيث يعمل خبير يصنع العطور والنكهات والأصباغ, شخصية حالمة ترتفع عن الواقع البائس وتكسو الواقع نكهة ولون ورائحة فاتنة. بخلاف الأم التي ترى في كل هذا سخف وتغافل عن الظرف اليومي الذي نعيشه ويجب أن نتعامل معه بكل صرامة حتى لو أننا تمادينا وتحولنا إلى أنانيون لا نهتم إلا بما يعني حياتنا الخاصة وحسب. حتى لو كان هذا سيلحق الضرر بأقرب الناس لنا…
(كم بدت السماء قريبة) لا تكتفي بهذا بل تجعلنا نرافق البطلة لتصف لنا أجواء الحرب الإيرانية العراقية ثم تغادر مع أمها المريضة إلى بريطانية بعد أن يتوفى أبوها وتمكث بجوار أمها منفصلة عن أرض نشأتها العراق ولا يصلها به سوى رسائل مقتضبة تكتبها لها معلمة الرقص تصف الحرب العراقية الكويتية والقصف الذي كانت توقعه ببشاعة جحافل الحلفاء التي لا تفرق بين مدني وعسكري طفل أو رجل.
تتورط بطلة العمل أثناء تواجدها ببريطانيا في علاقة حب مع رجل أمه أفريقية ثم تحمل منه بطريقة غير شرعية ثم تجهضه.
يؤخذ على العمل :
– تشعر أن الرواية هي روايتان مختزلتان في رواية. فالجزء الأول الذي كان بالعراق منفصل تماما عن الثانية الذي بإنجلترا على الرغم من محاولاتها المستميتة في الربط بينهما من خلال الرسائل التي ترسلها المعلمة من العراق إلى تلميذتها بهذا تحاول خلق التناقض بين شمال وجنوب الكرة الأرضية. الأول كان البيئة واللهجة العراقية والثقافة المشرقية التي من سماتها الحدود بين الجنسين . والثاني أجواء مستشفى في بريطانيا وثقافة غربية لا حدود فيها بين علاقة الرجل بالمرأة.
– العمل تمدد حتى شمل حربين مما يشعرك بارتباك قلم الروائية بتول الخضيري .
– يتنامى داخلي أن الرواية تستميت لتقول كل شيء دفعة واحدة عوضا عن التركيز في موضوع واضح ومحدد. الرواية تتعرض للتناقض بين الشرق والغرب وتتعرض للفرق في الذي يكون بين الريف في العراق والمناطق المدنية كبغداد والبصرة. الرواية تتحدث عن علاقة الحب الذي لا يعترف بالحدود الدينية بين مسلمة ومسيحي. تتطرق لوضع المثقفين قبل الحرب الإيرانية وبعدها وكيف انحسر نشاطهم. الوضع الاجتماعي أثناء الحصار. الشعور بالاغتراب. وفلسفته المرض. الأجانب كيف يعيشون في دولة خليجية. كيف يرحل العمر دون تحقيق أتفه حلم. الأخطاء التي نرتكبها ولا نكتشفها إلا وقد فات القطار. أزمة الأبناء الذين يولدون نتاج تزاوج ثقافتين ألخ , كل هذا عبرته الرواية على عجل مع أنها كلها ثقوب سوداء قادرة على أن تبتلع أعمال وأعمال سردية.
– ختاما ليست هذه الأسطر إلا وليدة اللحظة التي ولدت بعد انتهائي من قراءة (كم بدت السماء قريبة) والعمل يناسب فئة الشباب الراشدين
- كم بدت السماء قريبة , رواية عربية
- بتول الخضيري , مؤلفة من العراق
- المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت
- الطبعة الرابعة 2007م / 200 صفحة
كثيرا ما أقف أمام هذه الرواية واتردد في شراءها…
لا رغبة لي في رواية توثّق الحروب..احتاج إلى أن أقرأ رواية لا اتوقع ما يحدث فيها
..
في معزل عن التاريخ..تغوص في النفس البشرية وصراعاتها..الخير والشر
كثييير من الروايات التي قراتها مؤخرا ..هي توثيق بشكل او آخر لحوادث وتواريخ مررنا بها..
هذا جيّد فالكثير من كلاسكيات الادب العالمي هي كذلك..لكنها لم تغفل “النفس وصراعاتها” ..لذلك كانت ثرية من كل النواحي..
عندما تقول بغداد مباشره تحضر لنا قصة الف ليله وليله وهارون الرشيد والعصر الزاهر للمسلمين فيها
تعقيبك على الرويه ممتاز جداً شرح ماكان ينقصها
شرح وافي للقصه تشكر عليه اخي الفاضل
تقديري لك …
يا صباح الخير غربة. أقولها صراحة لا تشتري الكتاب وسأقرأ غائب ثم أحيطك علما بها. ولا تثقي برأيي كثيرا غربة فإنه قابل للخطأ والوهم.
-بالنسبة للروايات التي استدبرت المنحا الجمالي والفني والسبر داخل النفس الإنسانية فإن الكثير من الروايات خاصة في العالم العربي تحنولت لخطاب وعظي أو وثيقة تاريخية وهذان لسا الرافد الأساسي الذي يمد الرواية بالحياة.
فالوعظ له كتبه والتوثيق التاريخي له فنه. هم بهذا يجهلون روح الرواية. على فكرة غربة كتب الرواية لهذا العام لم تاخذ نصيب الأسد من مشترياتي. وسأنشر القائمة العشوائية
صباح الخير بوح القلم. آه على العراق وجذورها اللا متناهية في القدم والتاريخ. أما عن الرواية فأجمل ما فيها هو حينما كانت تتحدث عن حقول العراق والفلاح العراقي.
أختي أتصدقين أمنيتي أن أزور العراق وقد عادت الحياة بين جداوله. التي كفت عن التغريد وأصبحت تنزف دما وحقدا وبكاء . نهارك سعيد